||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 299- وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّه (4) فقه روايات السباب ومرجعية اهل الخبرة

 120- التبليغ في معادلة الاحتياط و الإعداد و الاستعداد

 30- فائدة فقهية: لا اطلاق للقول بان القضاء حدسي

 6- الصلاة في مدرسة الحسين طريق الرحمة الإلهية

 229- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (1)

 81- من فقه الحديث: الوجوه المتصورة في قوله عليه السلام (المصلح ليس بكذاب)

 327- فائدة حكمية فقهية: حُسن الصدق ضروري ونظري

 459- فائدة أصولية: تأثير الظن في داخل دائرة العلم الإجمالي

 حجية مراسيل الثقات المعتمدة - الصدوق و الطوسي نموذجاً -

 4- الحسين وأوقات الصلاة



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23706716

  • التاريخ : 29/03/2024 - 06:25

 
 
  • القسم : دراسات وقراءات .

        • الموضوع : دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (5) .

دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (5)
9 شعبان 1433 هـ

 

 

 التداعيات الفكرية في النظرية النسبية

 

موقع الامام الشيرازي

عوامل التأثير في النسبية وإنتشارها      

أصبحت الفلسفة النسبية منتشرة في ثقافة الفكر الغربي المعاصر, حتى اكتسبت لها مكانة رفيعة في المجتمع الغربي الحديث, ولتفكيك العوامل التي ساهمت في قبول النسبية وانتشارها في المجتمع الغربي, العلمي والفكري والثقافي والقيمي والسلوكي, يمكن استقراء الآتي:   

أولاً. النجاح العلمي الذي زاد في الاعتقاد بفكرة الإجابات الحقيقية في العلم, لذا ساد الإدراك, أن ما يقولونه العلماء هو صحيح, وإذا لم يستطع العلم أن يجد جواباً لشيء ما, فإن الحقيقة ستكتشف لاحقاً, وأصبح الإيمان بالعلم والمطلق فقط, فيما هو المعروف المعاصر, والذي ربما يكون غير حقيقي لاحقاً, وهذا يقوض الحقيقة المطلقة التي ترفضها مدركات النسبية.     

ثانياً. مع انتشار القبول لنظرية التطور، أصبحت المتبنيات العقدية, خارج المنظومة الفكرية، وبدون اعتقاد وجود المنظومة الإيمانية, بات الإنسان يقرر بنفسه, ما يعتقده هو الحق, وما هو الباطل, وكذلك النظرة الى الأخلاقيات, باتت تنسب الى المكان والزمان, والمدرك الإعتقادي والفكري, والتفسير والذائقة الفردية, والمتبنيات الشخصية والمجتمعية للأشياء, والرؤى العرقية والتاريخية الإبستيمولوجية.       

ثالثاً. أصبح المجتمع الغربي في مواجه ثقافات متنوعة ومتفاوتة، وهذا الاتجاه يجعله أكثر انسجاماً وقبولاً, مع فكرة وجود أكثر من طريق لعمل شيء ما, والإيمان بتعدد الثقافات لا يشترط بطلان هذه الفكرة, لكنه يعمل على تقويض أو إنكار الحقيقة المطلقة, وهو ما تشتغل عليه الفلسفة النسبية. 

رابعاً. انتشار الفلاسفة النسبيين, وخصوصاً المنتمين إلى حركة العصر الجديد, الذين لا يقولون بوجود الحقيقة المطلقة، ويقرون أن كل شيء بإمكانه أن يخلق واقعه, وأن ينتج إدراكاً لذاته, فيما لا يكون لغيره, ولا إطلاق في تقييم مخرجاته, مقارنة بسواها, ولا مرجعية منهجية ثابتة, للتحليل والتقييم, فيما هو واقع مقبول, أو لا قبول فيه.     

خامساً. نزعة المجتمع الغربي المعاصر, الى التحرر من القيم الأخلاقية، وأثقال القيود الإجتماعية, وأعباء المنظومة القيمية والسلوكية, قد استجابت لمدركات النسبية, و"تسهيلاتها" الفكرية, لتيسّر للمجتمع نزوعه, الى مذهب "دعه يعمل ما يشاء".

 

مقاربة في مدخلات الرفض للنسبية

حمل الفكر النسبي بين طروحاته النظرية ذاتها, أسباب الرفض لمتبنياته وثوابته الفكرية, وفيما يكون جانباً من أدبيات النسبية, في منطقة القبول والمعقول, الذي لا يتقاطع والمنهجيات العلمية البحثية, ومدركاتها الإنسانية وثوابتها القيمية, لكنه مستمد من حقيقة الأشياء وطبيعتها, والذي وصفه عنوان الكتاب موضوع الدراسة, بالممكن من النسبية, غير أن المرفوض منها يتعلق بالنتاجات النظرية الفلسفية ومخرجاتها التي لا تصمد أمام أسباب الرفض لها, لجملة من مدخلات العوامل:

أولاً. كون الفكر النظري في النسبية من النوع الذي ينقض نفسه, لأن في متبنياته, أن الحكم بالصحة أو البطلان, أو بالخيرية والشرية, إنما هو حكم ذاتي أو ثقافي, والحال إن القول بهذه النظرية, هو نفسه حكم ذاتي، أو من إملاء ثقافة معينة, مما يشكّل بذاته, أسباباً منطقية لرفض هذه الأفكار ومتبنياتها.  

ثانياً. أن هنالك قيماً خلقية, وأنماط سلوك مشتركة بين الإنسانية جميعاً, رغم اختلاف الثقافات, والنشوء التأريخي, للشعوب والأعراق, وعوامل الزمان والمكان, كما اكتشف ذلك بعض علماء الأنثروبولوجيا أنفسهم في كل المجتمعات.  

ثالثاً. أن عدم اتفاق الناس جميعاً, على معايير مشتركة, لقضايا الأخلاق, والمنظومة القيمية, لا يعني غياب وإنعدام المعايير, فوجود المعيار شيء, والاتفاق عليها, شيء آخر.  

رابعاً. أن جميع الثقافات الإنسانية, على اختلاف متبنياتها, ومناشئها التاريخية, تحاول تسويغ قيمها, بمسوِّغات مستندة إلى معايير قيمية, دون إدعاء للحق أو الخير, لأنها مجرد تراه ذلك, لأنها بذلك, ستفقد آليات الإقناع, لأجيالها والمنخرطين فيها.     

سادساً. إن إعتقاد النسبية, في النسبة إلى أهـواء الأفراد وفراغ الثقافات, تعبر عن مقاربة لرفض متبنياتها, مقابل بديل منطقي ومعقول, هو أن تكون الأمور الى مشتركات قيمية, يشترك فيها البشر, كشهادة الحس، والأدلة العقلية، أو حتى بعض المسوغات الباطلة, التي يمكن مناقشة الناس فيها, لجهة التنظير الإنساني, بين معتقدات الحق والباطل, أو بين نوازع الخير والشر.

سابعاً. إن البشر كائنات اجتماعية، وهم لا يستطيعون أن يكونوا مجتمعاً متعاوناً مترابطاً, إلا بقيم معينة, والتي صار بعض من علماء الاقتصاد والاجتماع, يسميها لذلك بالرأسمال الاجتماعي, فالمجتمع كلما كان رأسماله منها كبيراً, كان أكثر تماسكاً, واستطاع أن يحقق من أهدافه الاقتصادية والسياسية, ما لا يحققه المجتمع المتفكك, بسبب قلة نصيبه من رأس المال هذا.

 

المعضلة القيمية الإجتماعية في النسبية     

لكن النسبية برغم الإشكالية الفكرية, لجهة انحسار الرأسمال الإجتماعي فيها, تنتشر الآن في الغرب، في مساحات مجتمعية وفكرية واسعة, وفي أوساط الشباب خاصة, توصفه المراجع العلمية المراقبة, للمشهد الإجتماعي, بأنه انتشار مرضي, وتؤكده البحوث الأكاديمية المجتمعية التي تجريها المراكز العلمية فيها, فضلاً عن البعثات العلمية إليها, حتى صار الإعتقاد, أن مبادئ الأخلاق والقيم والأديان, كالمسائل الذوقية, التي يختلف فيها الناس اختلافاً يرجع إلى أمزجتهم, لأنه ليس هنالك من معيار موضوعي لها.

وربما كان هذا الإيمان بالنسبية, رد فعل للتعصب المقيت, الذي كان وما يزال سائداً في بعض الأوساط الغربية, التي تجعل من ثقافتها المعيار الوحيد, الذي تقاس به معتقدات الآخرين, وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم, فما اقترب منها إليهم, كان أقرب إلى الحق والخير، وما بَعُدَ عنها كان عنهما أبعد, وهو تقييم نمطي جمعي, وتشير المخرجات البحثية, أن العالم الإسلامي، والإنسانية المعتدلة, قد عانت من هذا النموذج الفكري المعياري، ولا سيما السياسيين فيه، وهي حالة تتجاوز النسبية, في التطرف والجمود الفكري, وتظهر التناقض الفكري, في القائلين فيها, والمنظّرين لفكرها وفلسفتها, وذلك لأن القول بالنسبية, وإن كان باطلاً, يفترض أن ينتج عنه عادة, نوع من التسامح مع المخالف.

 

مداخلة في الإشكال المنهجي بين النسبية و"الإكسيولوجيا"

إن التناقض الفكري والعلمي المنهجي, في فكر النسبية, لجهة متبنياتها الأخلاقية والقيمية, يكمن في التقاطع, مع "الأكسيولوجيا", سواء في معطيات العلم أو المبادئ, والأكسيولوجيا هي البعد القيمي الأخلاقي في فلسفة العلوم, وهو العلم الذي يدرس المثل العليا والقيم المطلقة, من خلال ثلاث جزئيات أساسية, وهي "قيمة الحق" التي يدرسها علم المنطق, الذي يضع قواعد التفكير السليم, و"قيمة الخير" التي يدرسها علم الأخلاق, الذي يوضح قواعد السلوك الأخلاقي, و"قيمة الجمال" التي يدرسها علم الجمال, الذي يوضح  مقاييس الشيء الجميل, وينمي الذوق الجمالي لدي الإنسان[1].

و"الأكسيولوجيا" من حيث هي مبحث أخلاقي، تدرس مشكلتي الخير والشر، وتطرح مسائل أساسية فيها, لجهة كونهما صفة موضوعية, تطلق على تصرفات بشرية معينة, وكيف يقيّم السلوك البشري بينهما, وماهية مصادرها الخير وطبيعتها, في الوعي الأخلاقي البشري, وقد عرف تاريخ الفكر البشري محاولات عديدة للإجابة عن هذه التساؤلات, وخاصة في الثقافة العربية الإسلامية, وفي الموروث الديني الإسلامي, على وجه التحديد, الذي أولى السلوك الإنساني, أهمية كبيرة, وخاصة في سلوك وأخلاقيات رموز الإسلام, مثل سيرة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله), وشخصية الإمام أمير المؤمنين(سلام الله عليه), التي يتقدمها العنوان الإنساني.

 

نقض النسبية الأخلاقية في متبنيات الإكسيولوجيا

وعليه فإن الثوابت الفكرية الأخلاقية, والمتبنيات العقلية المجتمعية, التي تجمع بين المنهج العلمي العقلي, في عالميته وإنسانيته وأنسنته, وبين الموروثات المجتمعية القيمية السلوكية, تجعل من طروحات الفكر النسبي, في دالته النسبية الأخلاقية, في إشكالية فكرية ومنهجية وقيمية مجتمعي سلوكية, إذ ان علم الأخلاق, وهو الفرع الرئيس في علم القيم "أكسيولوجيا", الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً, بسلوكيات البحث العلمي.

فالأخلاقيات شكل من أشكال الوعي الإنساني, وهي القيم والمبادئ, التي تحرك سلوك الأفراد والمجتمعات والشعوب, وخاصة الجوانب المطلقة والثابتة فيها, كالعدل والحرية والمساواة, وهي المرجعية الثقافية للشعوب, لتكون سنداً قانونياً, تستقي منه الدول الأنظمة والقوانين, وإن ثقافات الشعوب مستمدة من قيمها ووعيها الأخلاقي, وبالمفهوم الواسع لمفردة الثقافة, تشكل مرتكزاً أساساً, من مكونات العقيدة الوطنية والإستراتيجية العليا, وإن الدين بشكل عام, هو السند الرئيس للأخلاق, الذي يشكل الداعم الأساس لثقافة الشعوب.

والأخلاقيات هي دراسة، مستمدة ومتماهية, مع مفهوم "الأنسنة", حيث يقيم السلوك الإنساني, على ضوء القواعد الأخلاقية, التي تضع معايير للسلوك، يضعها الإنسان لنفسه, أو يعتبرها التزامات وواجبات, تؤدى بموجبها أعماله وسلوكياته, فهي محاولة للتطبيق العلمي والواقعي, للمعاني والأسس التي ينصرف لها علم الأخلاق بصفة نظرية, أما الفرع في علم الأخلاق, الذي ينصرف الى الجوانب المهنية فيها, لجهة التزام الفرد في عمله ومهنته, بما ينسجم وقيم الأخلاقيات الإنسانية, فهو علم الواجبات أو الإلتزام, "الديونتولوجيا", وهو "علم الإلتزام أو الواجبات", وهو مفهوم يتماهى وتعبير الأخلاق المهنية، حيث يحكم على الفعل, راجعاً إلى القواعد والقوانين, التي تحكم أداء الفرد مهنيا, بما فيها الأنشطة البحثية العلمية.

إن المسؤولية الأخلاقية, هي أوسع وأشمل من المسؤولية القانونية, لأنها تتعلق بعلاقة الإنسان ذاتياً, بخالقه "معتقداته", وبنفسه "ظميره", وبغيره "الآخر والمجتمع"، أما دائرة القانون, فهي مقصورة على سلوك الإنسان نحو غيره, فدائرة القانون سلطتها خارجية ومتغيرة, في حين أن سلطة المسؤولية الأخلاقية  ثابتة, وقوتها ذاتية تتعلق في ذات الإنسان وظميره.

وعليه فإن فلسفة الأخلاق, أو علم الأخلاق أو الأخلاقيات [2]Ethics, هي تعابير عن معايير السلوك الإنساني, التي تتحدد بمجموعة القيم والأعراف, أما "الخلق العام" أو الأدب والتأدَب Morality، فيشمل المنظومة الأخلاقية نفسها، وإن هذه الفلسفة تنطوي تحت عنوان نظرية القيم "الإكسيولوجيا"، وهي تؤشر الفلسفة التطبيقية، التي لا تنفصل عن المحور المعرفي "الإبستيمولوجيا", وهي بمجموعها تمثل تحديات كبيرة, لفكر النسبية, وخاصة في النسبية الأخلاقية, والنسبية المعرفية.

 

القراءة التمهيدية للنسبية في مباحث الكتاب

يبين الكتاب موضوع الدراسة, في صدر مباحثه الإفتتاحية, لجهة التعرف الى النسبية, واستظهار مكنوناتها ودواعيها, وأسباب الفشل في طروحاتها, أن التميّز الذي يحققه الإنسان, ويجعله كائناً متفرداً، إنما لكونه صاحب علقة معرفية, تؤسس لعملية الفهم التي تربطه بالآخر، فالمعرفة والإدراك والفهم, هي من لوازم الإنسان العاقل، وإن التخلي أو التشكيك, في القدرة المعرفية لدى الإنسان، هو تخلّ أو تشكيك, في حقيقة الإنسان العاقل، وهي النقطة التي تنعدم فيها المسافة الفاصلة, بين الإنسان وبقية الكائنات.

ويخلص المبحث, الى أن برغم الوضوح, الذي تتمتع به هذه الحقيقة, إلا أن الفكر البشري, أصطدم بموجات تشكيكية, زعزعت الثقة في ما ينتجه العقل من معرفة، فقد ابتلى الفكر بنزعات مثالية, حاولت إما التشكّيك في الوجود الخارجي, وإما في إمكانية الوصول إليه وإدراكه وفهمه.

إذ يحتمل أن يكون القصد من النسبية, هو كون المعرفة الإنسانية ناقصة, ولا يمكن أن تحيط بكل الحقائق، بما فيها حقائق عالم الطبيعة، أو حقائق عالم الغيب، أو حقائق النفس الإنسانية, أو حقائق عالم التشريع, وحِكَم وملاكات الأحكام، ففي كل هذه الحقول, لا ترتقي معرفة الإنسان بها إلى حد الكمال، وبالتالي فإن المعرفة ليست مطلقة, ولا يمكن أن تصل إلى حد الكمال والشمول والإطلاق.

ويستنتج المبحث, أنه لابد من  تفكيك المعاني, وتحديد المطالب, بهدف التمييز بين المدّعى الصحيح والخطأ، وأصل هذا المعنى, يرجع إلى أن المعرفة, قد تكون متعلقة بالطبيعة, من إنسان وحيوان وجماد وما أشبه، وقد تكون متعلقة بعالم الغيب, أو بأغوار النفس الإنسانية.

والحاصل إن كل المعارف, التي لها علاقة بعالم التكوين, يمكن تصنيفها ضمن هذا المعنى، كما أن الكلام يشمل عالم التشريع, من حِكَم وملاكات الأحكام الشرعية, ومن أحكام تكليفية ووضعية أيضاً، هذه كلها مما لا تحيط المعرفة بها, إذ لا يستطيع الفرد, أن يحيط بكل جوانب هذا الكون الواسع, واللا متناهي الأبعاد، بالتعبير العرفي, وليس بالتعبير الدقيق الفلسفي.

 

الإستدلال النقلي في مبحث المقولة "المطلقة"

يجري البحث في عنوانه الرئيس, مداخلة نقدية, تدحض المقولة "المطلقة", في نسبية المعرفة, وفي النسبية عموماً, وذلك من خلال متعلق مفردة "إهدنا", في الآية الشريفة "إهدنا الصراط المستقيم", وقد ورد هذا العنوان مبكراً في البحث, ليمثل إستدلالاً متقدماً, لما سيكون في تفريعاته, من تفاصيل بحثية لاحقة, لولوج القارئ في فضاء الموضوع, تجاوزاً لصعوبة إدراك كينوناته, في استدراج موفق, ليكون المتلقي, على مسلك ذهني متوحد, مع المسارات الفكرية اللاحقة, في جزئيات الكتاب وتفريعاته جميعاً.

إن الخطاب في هذا العنوان, موجه لشريحة المسلمين المتدينين, وهم المؤمنين بآيات الكتاب, ومصايق تفسيرها, وبذا فإن البحث, على وعي تام, إن هذا المنهج الاستدلالي, لا يخاطب  سواهم, الذين لا يعدونه حجة عليهم, لإنتفاء أصل الدليل لديهم, لجهة إفتراض عدم إيمانهم بالنص المقدس, وهو منهج قد اعتمده المؤلف, وفق منطقية عقلانية وعقلائية, لا تقبل اللبس, وربما لم يشر العنوان الى هذه الجزئية البحثية, لكنه قد أشار إليها, في صدر البحث إبتداءا, وعليه سيكون الخطاب لاحقاً, الى الشريحة الأخرى المستهدفة فيه, وفق المنهج العقلي, وهو تحقيق معتمد, في الاستدلال الشرعي أيضاً, لحضور الدليل في العقل الإنساني.

 

المقاربة بين الحق والصدق في نقض النسبية

يخلص البحث من خلال متعلق "إهدنا", الذي له التحقق والثبوت, في العين والخارج ونفس الأمر, إن هنالك حقيقة مطلقة, لا تحتمل النسبية في المعنى الأول, وهو عالم الوجود والحضور المادي العيني ومعالمه وحقائقه, ولا في المعنى الثاني, لجهة عالم الذهن, والمعارف والعلوم فيه.

وفي هذا الصدد يشير البحث, الى الفرق بين الحق والصدق, فأما الحق فهو فيما إذا لوحظ الواقع مقيسا لما في الذهن, ولأي عالم إثباتي أخر, وأما الصدق, فهو فيما إذا لوحظ ما في الذهن مقيساً للخارج, وهو دليل على أن الحق واحد, لا يتعدد بتعدد الأنظار والأفكار والإجتهادات, وهو ما يتماهى في الرأي على المخطّئة, مقابل المصوّبة, لجهة المدرستين الرئيستين, في الفقه الإسلامي, وفيه أيضاً, دحض للقول, بأن الواقع يتبدل, بتبدل القناعات, أو يتعدد بتعددها, على رأي أهل منهج العرفان.

 

مبحث "الصراط المستقيم" في عوالم النسبية

ويستكمل المبحث في دحضه, للحقول الكونية الثلاثة للنسبية, في ثلاث عناوين فرعية, وهي "الصراط المستقيم في عالم الحقيقة" و"الصراط المستقيم في عالم المعرفة" و"الصراط المستقيم في عالم اللغة والكواشف", وهي الثلاثة التي تخص كلاً من, عالم الوجود العيني المادي, وعالم الذهن, وثم عالم التواصل والنواقل اللغوية والتعبيرية, في الصياغات والمفاهيم الدالة الى العولم الأخرى, أو هما عالما الوجود اللفظي والكتبي, برغم تواضع العنوان الرئيس الجامع لها, من خلال تحدد نطاقه, في مبحث "المعرفة", في نصّه "الصراط المستقيم ونسبية المعرفة".

والبحث في جميع هذه العناوين, من خلال المتعلق "إهدنا", من الآية الشريفة, حيث تشكّل مرحلة الإثبات في حضور "الهداية", وتستكملها مرحلة الثبوت في "الصراط المستقيم" ذاته, وهي الهداية العلمية والعملية, وهداية العقل النظري والعقل العملي, وفيما ينصرف المتعلق ذاته, في عالم الكواشف واللغة والدوال, الى دحض نسبية عالم الألفاظ الموصلة الى الحقيقة, لأن لها مدلولها, ومعانيها الثابتة, كما في نموذج المفردة القرآنية "إهدنا", التي لا جدال في المعنى اللفضي والموضوعي فيها.

ويخلص البحث بمنهجية سليمة, الى أن عكس هذه القناعة, من شأنه أن "ينسف كل جسور التواصل المعرفي الذي يتحقق عبر النصوص, مما يعد نسفاً لأصل المعرفة, وليس إثباتاً لنسبيتها", والحال أن معنى "إهدنا", ينطبق مع "الصراط" الثبوتي, والذي يشير الى حقيقة واحدة في عالم الواقع, وخاصة في النصوص المقدسة الشريفة, لأنها مستخدمة بدقة متناهية, لتدل على معان محددة.

 

وبذلك فإن هذه الآية الشريفة, تنسف أيضاً مقولة نسبية الحقيقة, في عالمي الوجود اللفظي والكتبي, وهما العالمان اللذان أدرجهما المؤلف, في سياق واحد ومساق واحد, باسم الجسور أو الدوال أو الكواشف, أو التواصل الغوي, كون العالمين فيهما, يعبران عن الدالة ذاتها.    

 

========================================

 

[1]  هيثم الحلي الحسيني, أنسنة البحث العلمي وأخلاقياته, الحلقة الرابعة والعشرون, من دراسات في "المناهج والمنهجية وطرائق جمع القاعدة المعلوماتية في البحث العلمي", مقالات حول العالم, 2011. 

[2] . Ηθικές مفردة بالانكليزية, عن الأصل اللغوي اليوناني, الذي ينصرف لجذر المعنى ذاته, وفي الأبجدية اليونانية

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 9 شعبان 1433 هـ  ||  القرّاء : 10492



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net