540- الاشكال الاخر على المقبولة: اقتصار الروايات الكثيرة على مرجح واحد منها فقط. الاجوبة على كلا الاشكالين: 4ـ انها مرجحات على سبيل البدل والمناقشة
الاحد 7 رجب 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(64)
الإشكال على المقبولة بتخالفها مع مطلق روايات المرجحات
وقد أشكل على المقبولة أيضاً بانها ذكرت مجموعة من المرجحات وظاهرها الترتيب بينها مع ان شبه المستغرق من روايات المرجحات، إلا المقبولة ومرفوعة العلامة عن زرارة، ذكرت مرجحاً واحداً أو اثنين، ولو كانت المرجحات المذكورة في المقبولة مشترطة جميعاً وعلى الترتيب لما صح بوجه إطلاق القول في سائر الروايات بذكر مرجح واحد فقط دون ما سبقه من المرجحات في المقبولة ودون ما لحقه، فلا بد إذا من حمل المرجحات في المقبولة:
أ- على الاستحباب
ب- أو على اختصاصها بزمن الحضور (بحيث لو لم يكن ظهور المقبولة في ذاك الاختصاص) أي بزمن الحضور (لوجب حملها عليه([1]) أو على ما لا ينافيها). أي لا ينافي أخبار التخيير (من الحمل على الاستحباب كما فعله بعض الأصحاب)([2])
مناقشة دعوى حمل المقبولة على الاستحباب
وقد سبقت مناقشة ذلك ونؤكده بانه كيف يحمل ((يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيه...))([3]) على الاستحباب مع قول الإمام ( عليه السلام ) بعده ((وَإِنَّمَا الْأُمُورُ ثَلَاثَةٌ أَمْرٌ بَيِّنٌ رُشْدُهُ فَيُتَّبَعُ وَأَمْرٌ بَيِّنٌ غَيُّهُ فَيُجْتَنَبُ وَأَمْرٌ مُشْكِلٌ يُرَدُّ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص حَلَالٌ بَيِّنٌ وَحَرَامٌ بَيِّنٌ وَشُبُهَاتٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ الشُّبُهَاتِ نَجَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ أَخَذَ بِالشُّبُهَاتِ ارْتَكَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهَلَكَ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ...))؟ لبداهة ان قوله ( عليه السلام ) (وإنما الأمور ثلاثة) تعليل لما سبق وهو كالكبرى له فيكون المجمع عليه أمراً بيّناً رشدهُ الشاذ غير المشهور أمراً بيناً غيّه فكيف يعقل ان يقال ان الترجيح بهذا على ذاك استحبابي؟ بل يكفي لدفع احتمال الاستحباب نفس قوله ( عليه السلام ) السابق ((يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيه...)) من دون حاجة إلى عضده بضميمة التعليل، لظهوره ببركة الأمر والنهي([4]) بل لصراحته، ببركة التعليل في تعين الترجيح وإلزاميته.
وكيف يحمل قوله ( عليه السلام ) ((يُنْظَرُ مَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَ يُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ وَافَقَ الْعَامَّة))([5]) على الترجيح دون الإلزام وهل يعقل القول بجواز الأخذ بما خالف الكتاب والسنة ووافق العامة؟([6])
وكذا قوله ( عليه السلام ) ((مَا خَالَفَ الْعَامَّةَ فَفِيهِ الرَّشَاد)) إذ ظاهره ان ما وافقهم – لدى التعارض – فيه الضلال، ولا يعقل مجرد ترجيح الأخذ بما فيه الرشاد على ما فيه الضلال.
الآخوند: لا ترتيب بل هذا مرجح وذاك
وقد ذهب الآخوند بعد ذلك بصفحات إلى محمل آخر يصلح أيضاً جواباً عن الإشكال الأول (تخالف المقبولة مع روايتي موسى ووداود) – وهو نظير ما ذهب إليه الشيخ من حمل الواو على معنى أو في قوله ((الْحُكْمَ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا حَكَمَ بِهِ الْآخَر)) لكن كلام الشيخ كان في صدر المقبولة وكلام الآخوند فيها جميعاً أو بدءاً من الترجيح بالشهرة. قال الآخوند: (مع امكان ان يقال ان الظاهر كونهما([7]) كسائر أخبار الترجيح بصدد بيان ان هذا مرجح وذاك مرجح ولذا اقتصر في غير واحد منها على ذكر مرجح واحد وإلا لزم تقييد جميعها على كثرتها بها في المقبولة وهو بعيد جداً)
المناقشة: أ- المقبولة نص في الترتيب
ولكن يرد عليه أولاً: اباء المقبولة عن الحمل على ذلك([8]) لكونها نصاً، لا ظاهراً، في الترجيح بتلك المذكورات على نحو الترتيب فلاحظ قول الإمام ( عليه السلام ) (ينظران إلى من كان منكم...) ثم قول بن حنظلة (فَإِنْ كَانَ كُلُّ رَجُلٍ اخْتَارَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَرَضِيَا أَنْ يَكُونَا النَّاظِرَيْنِ فِي حَقِّهِمَا وَ اخْتَلَفَا فِيمَا حَكَمَا وَ كِلَاهُمَا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِكُم) وجواب الإمام ( عليه السلام ) ((الْحُكْمَ مَا حَكَمَ بِهِ أَعْدَلُهُمَا وَأَفْقَهُهُمَا وَأَصْدَقُهُمَا فِي الْحَدِيثِ وَأَوْرَعُهُمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا حَكَمَ بِهِ الْآخَر)) ثم سؤال الراوي ((فَإِنَّهُمَا عَدْلَانِ مَرْضِيَّانِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يُفَضَّلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ))؟ وجواب الإمام ( عليه السلام ) ((يُنْظَرُ إِلَى مَا كَانَ مِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا فِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمَا بِهِ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِكَ فَيُؤْخَذُ بِهِ مِنْ حُكْمِنَا وَ يُتْرَكُ الشَّاذُّ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ لَا رَيْبَ فِيه)) ثم سؤال الراوي ((قُلْتُ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرَانِ عَنْكُمَا مَشْهُورَيْنِ قَدْ رَوَاهُمَا الثِّقَاتُ عَنْكُم))؟ وجواب الإمام ( عليه السلام ) ((يُنْظَرُ فَمَا وَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ خَالَفَ الْعَامَّةَ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَ يُتْرَكُ مَا خَالَفَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ وَافَقَ الْعَامَّة...)) إلى آخر الرواية فان حملها – مع اعتبارها مرجحات([9]) - على غير الترتيب مما لا يقبله العرف ولا الذوق السليم بل لا معنى له بتاتاً.
ب- القاعدة هي تقييد سائر الروايات بالمقبولة
ثانياً: ان مقتضى القاعدة تقييد الروايات الأخرى بالمقبولة فان الأصل المسلّم هو الجمع بين المطلق والمقيد واما قوله (والا لزم تقييد جميعها على كثرتها بما في المقبولة وهو بعيداً جداً) فيرد عليه:
عدم كثرة سائر الروايات
أ- صغرى، انها ليست كثيرة بل الظاهر ان مجموعها ثمان روايات فقط، إذ الكلام في مرجحات باب التعارض بين الروايات والاختلاف بينها وهي مجموعاً ثمان روايات إضافة للمقبولة والمرفوعة، واما سائر الروايات (ولعلها خمس عشرة رواية) فليست من المقام بل هي في غير مورد الاختلاف فلاحظ مثلاً قوله ( عليه السلام ) ((إِذَا جَاءَكُمْ عَنَّا حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ عَلَيْهِ شَاهِداً أَوْ شَاهِدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَخُذُوا بِهِ وَ إِلَّا فَقِفُوا عِنْدَهُ ثُمَّ رُدُّوهُ إِلَيْنَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَك...))([10]) و((كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى الْكِتَابِ وَ السُّنَّةِ وَ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ))([11]) كما ان بعضها تفيد الترجيح بالاحدثية وواضح انها أجنبية عن المقام أيضاً بالمرة([12]).
الكثرة لا تخل بالحمل إذ لا تنافي في الجمع الدلالي
ب- كبرى: ان الجمع بين المطلق والمقيد جمع دلالي والتعارض بينهما بدوي غير مستقر ويرتفع بالتدبر فلا تعارض بينهما كي يستبعد حمل المطلقات على المقيد وإن بلغت المطلقات مائة أو ألفاً أو أكثر وهذا هو المبنى المعروف المسلم لديه ولديهم والسبب هو ان بناء الروايات على تفكيك الإرادة الجدية عن الاستعمالية في المطلقات والعمومات وانه لا يبنى على ان الإطلاق مراد وعلى كونه متعلق الإرادة الجدية إلا لو انتفى وجود المقيد ولو في زمن إمام لاحق بل ولو بعد مائة سنة (كما لو ورد المطلق من الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والمقيد من الإمام الصادق ( عليه السلام ) مثلاً) ومعه فأي استبعاد لأن يقيد المقيَّد ألفَ مطلقٍ مادام المبنى ذاك؟
نعم، يبقى إشكال تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو ما أشار إليه الشيخ وسيأتي مع جوابه، إلا انه – على أية حال – غير إشكال كثرة المطلقات الذي ذكره الآخوند، والحاصل: ان كثرة المطلقات لا تصلح مانعاً عن تقييدها بالمقيد بنفسها إلا من جهة استلزام ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي سيأتي جوابه أيضاً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
===========================
الاحد 7 رجب 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |