106- تتمة البحث السابق ـ اشكال النائيني على تقسيم اليزدي بانه جعل الحق مقسماً للحكم والجواب: 1ـ المقسم الحق بالاطلاق الاعم
الاثنين 3 ذو الحجة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(106)
القسم السادس: ما هو محل الشك
قال المحقق اليزدي: (ومنها: ما هو محل الشك في صحة الاسقاط والنقل أو الانتقال، وعُدَّ من ذلك حق الرجوع في العدة الرجعية، وحق النفقة في الأقارب كالأبوين والأولاد، وحق الفسخ بالعيوب في النكاح، وحق السبق في إمامة الجماعة، وحق المطالبة في القرض والوديعة والعارية، وحق العزل في الوكالة، وحق الرجوع في الهبة، وحق الفسخ في سائر العقود الجائزة كالشركة والمضاربة ونحوهما، إلى غير ذلك، وأنت خبير بأنّ جملة من ذلك من باب الحكم)([1]).
الحق المصدري والمفعولي في فروع أخرى
وههنا مطالب: الأول: أنه, وكما سبق, فإنه لابد من تحديد المراد من الحق عند إضافته وأنه المعنى المصدري أم المفعولي أو أنه لا يجري فيه إلا أحدهما، ولنقتصر هنا على بيان حال بعض ما ذكره (قدس سره):
حق السبق في إمام الجماعة
1- فحق السبق في الإمامة قد يراد به المعنى المصدري، ويعني الحق لكل مكلف عادل أن يسبق إلى إمامة الجماعة (بشروطها مثل أن لا يكون إمام راتب على القول بعدم جواز مزاحمته إذ قال البعض بأنه لا يفيد إلا الارجحية وكإذن المتولي الشرعي وشبه ذلك) فلو اجتمعت الشروط في عِدّةٍ، كان لكل منهم حق السبق فهذا هو المصدري، وأما المفعولي الناتج منه فإنه لو سبق فإن له حق السبق الأولوية بإمامة القوم حينئذٍ، فهل له نقله بصلح مثلا؟ وهل له اسقاطه؟ وهل ينتقل بالموت؟
حق الرجوع في العِدّة
2- حق الرجوع في العدة الرجعية فانه لا شك في ثبوت المعنى المصدري، لكن لوشك أنه حق أو حكم فما المرجع؟ وأما المعنى المفعولي فانه لا تصوير([2]) له، إذ لا يتولّد من نفس الرجوع شيء من حقٍ وغيره.
لا يقال: له عليها حق الاستمتاع حينئذٍ وحق البقاء بالدار؟
إذ يقال انه ليس وليده بل هو وليد الزوجية، والطلاق كان مانعا والرجوع رافع للمانع وليس هو المقتضي أو المولِّد.
حق النفقة للزوجة والوالدين
3- حق النفقة في الزوجة، فالمصدريُّ حقُّها عليه في أن ينفق عليها، وأما المفعولي فيتصور فيما لو قلنا بأن الواجب مجرد أن ينفق عليها الأعم من التمليك والاباحة فلو اباح الطعام لها أو الثياب كان لها به حق أي تعلق حقها به، فهل لها الصلح عليه أو اسقاطه؟ أما لو قلنا بالتمليك فقد خرجت موضوعاً عن محل الكلام فلا حق مفعولي ههنا من باب السالبة بانتفاء الموضوع.
وقد يقال بجريان ما ذكر في نفقة الوالدين والأولاد بناء على كفاية الإباحة أو لزوم التمليك حرفاً بحرف.
نعم، يختلف حال نفقه الزوجة عن الوالدين في أنها واجبة عليه للزوجة وإن كانت غنية وأنه لو لم ينفق عليها كان دَيْنا عليه، عكس الوالدين في الأمرين كما صرح به جمع: فلا تجب لو كانوا أغنياء، ولو لم ينفق عليهم مع فقرهم لم يستقر في ذمته ولم يكن دينا.
ويعرف حال بقية أمثلته (قدس سره) بالتدبر.
إشكال النائيني على اليزدي: ما لا يقبل الإسقاط حكم فكيف يجعل من أقسام الحق؟
الثاني: أنه أشكل الميرزا النائيني على المحقق اليزدي بما حاصله بعبارة اخرى: أن تقسيمه السداسي هو من تقسيم الشيء إلى نفسه وضده أو الى أقسامه وقسائمه فهو كتقسيم النهار إلى ليل ونهار مثلاً؛ فإن الحق قسيم الحكم ومع ذلك فانه جعل القسم الأول (وهو ما لا يقبل النقل والانتقال والاسقاط) من أقسام الحق مع أن ما لا يقبل الاسقاط حكمٌ لاحق بل لا يعقل كونه حقاً.
قال: (فما أفاده السيد (قدس سره) في حاشيته على المتن – من تقسيم الحقوق أوّلاً إلى ما يقبل الإسقاط وما لا يقبل، وجعل من الثاني حقّ الأُبوّة وحق الولاية للحاكم وحق الاستمتاع بالزوجة وحق السبق في الرماية قبل تمام النضال وحق الوصاية – لا وجه له، فإن كون الشيء حقاً وغير قابل للإسقاط لا يعقل)([3]).
وقال: (والعجب أنه (قدس سره) في صدر المسألة يعرّف الحقّ: بأنّه نوع من السلطنة، ومرتبة ضعيفة من الملك، بل نوع منه، وصاحبه مالك لشيء يكون أمره إليه! ومع هذا يقسّم الحقوق إلى ما يقبل الإسقاط وما لا يقبل، فإنه لو لم يقبل الإسقاط فكيف يكون له السلطنة؟ وكيف يكون زمام أمره بيده؟)([4]).
الجواب عن إشكال الميرزا بوجوه
ولكن يمكن الجواب عن كلامه بوجوه:
1- المقسم هو الحق بالمعنى الأعم
الاول: ما ذكره بعض الأعلام مما حاصله بعبارة أخرى أن للحق إطلاقين أخص وأعم، والأخص قسيم للحكم أما الأعم فمقسم له، وقد أخذ اليزدي الأعم كمقسم للأقسام السته فلا يرد الاشكال.
والحاصل: إن المقسم في كلام اليزدي ما عُبّر عنه في الروايات بالحق وقد اطلق الحق فيها على الحكم.
قال في العقد النضيد: (أقول: يبدو من سياق كلام السيد (قدس سره) في هذا التقسيم أنه يقسّم الحقّ بلحاظ المستعمل فيه في الروايات والأخبار، لا بلحاظ حقيقة الحقّ وذاته، وما يقابل الملك والحكم، ومن المعلوم وجود الفارق بينهما، فإن كان هذا التقسيم بلحاظ الأخير يحصل تناقض في كلامه (قدس سره)، لأنه بعد هذا التقسيم ينبّه في القسم الأول والقسم الأخير بأن بعضها أو جملة منها حكمٌ، وهذا البيان قرينة على أنّ التقسيم ليس بلحاظ مفهوم الحقّ المقابل للملك والحكم)([5]) والأمر في الإطلاقات العرفية كالأمر في الروايات.
والحاصل بعبارة أخرى: أن الاستعمال أعم من الحقيقة، فلم يُرِد اليزدي من الحق في المقسم المعنى الحقيقي للحق كي يقال أنه قسيم للحكم فكيف يجعل الحكم من أقسامه؟، بل أراد المعنى الواسع له وهو المجازي وهو أعم أي أنه أراد أنّ (ما أطلق عليه الحق) ينقسم إلى الأقسام الستة لا (المعنى الحقيقي للحق). وللبحث تتمه بإذن الله تعالى..
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
.........................................
قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) لبعض وُلدِهِ: "يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ فِي مَعْصِيَةٍ نَهَاكَ عَنْهَا وَإِيَّاكَ أَنْ يَفْقِدَكَ اللَّهُ عِنْدَ طَاعَةٍ أَمَرَكَ بِهَا
وَعَلَيْكَ بِالْجِدِّ وَلَا تُخْرِجَنَّ نَفْسَكَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ
وَإِيَّاكَ وَالْمِزَاحَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِنُورِ إِيمَانِكَ وَيَسْتَخِفُّ مُرُوَّتَكَ
وَإِيَّاكَ وَالضَّجَرَ وَالْكَسَلَ فَإِنَّهُمَا يَمْنَعَانِ حَظَّكَ مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ص409.
=====================
الاثنين 3 ذو الحجة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |