107- 2ـ الفرق الدقيق بين السلطة على الشيء والسلطة على السلطة والحق سلطة على الشيء 3ـ العرف يعتبرون بعض ما هو لازم حقاً
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(107)
سبق إشكال الميرزا النائيني على المحقق اليزدي بأنه جمع بين النقيضين إذ اعتبر الشيء حقاً وغير قابل للإسقاط إذ عد غير القابل للإسقاط من أقسام الحقوق الستة. قال (فإن كون الشيء حقاً وغير قابل للإسقاط لا يعقل) لأنه من وصف الشيء بنقيضه.
وسبق الجواب الأول عنه وهو جواب فني مبناه تسليم هذه الكبرى التي ذكرها النائيني (فإن كون...) والتخلص من الإشكال بأن اليزدي جعل المقسم الحق بالمعنى الأعم لا الأخص.
2- الفرق بين السلطة على الشيء والسلطة على السلطة
الجواب الثاني: أن هناك فرقاً بين السلطنة على الشيء والسلطنة على السلطنة، وقد يكون الثاني غير قابل الإسقاط بينما يكون الأول قابلاً للإسقاط.
توضيحه: أن السلطنة من الحقائق الإضافية إذ تتقوّم بالمضاف إليه إذ السلطنة سلطنة على شيء، والحقائق الإضافية قد يختلف حكمها في حد نفسها عن حكمها بما هي مضافة إلى شيء، ألا ترى حال الأبوة والأب (والأول مضاف حقيقي والثاني مضاف مشهوري) فإن الأب أب لابنه وليس أباً لنفسه (أي للأب) وكذا الفوق، فإن الفوق فوق للذي تحته وليس فوقاً لنفسه.
فكذا الحق، فإن الحق بمعنى السلطنة على الشيء (أو مرتبة من الملك أو نوع منه، على الاحتمالات الثلاثة الواردة في كلام اليزدي) وقد تكون للشخص سلطنة على الشيء بالأخذ أو الترك أو الإسقاط([1]) ولا تكون له سلطنة على نفس هذه السلطنة بإسقاطها([2])، وقد سبق ما يوضح ذلك أكثر في الفرق بين الحق المصدري والحق المفعولي. فتأمل.
ويوضحه أكثر: (الملك) فإنه سلطنة قوية (عكس الحق الذي هو سلطنة ضعيفة أو نوع من الملك) ولا مانعة جمع، حتى لدى الميرزا (قدس سره)، بين أن يكون مالكاً للشيء ويكون محجوراً عليه لسفهٍ أو فلَس، فهل يصح القول (فإن كون الشيء ملكاً وغير قابل للنقل أو الإسقاط غير معقول فانه لو لم يقبل الإسقاط فكيف تكون له الملكية وهي السلطنة؟ وكيف يكون زمام أمره بيده) – نظير ما قاله الميرزا عن الحق تماماً؟
ومن الواضح أن المحجور عليه مالك (فله السلطنة الأقوى من الحق، وهي الملك) لكنه محجور عليه فلا يمكنه أن يهب أو يبيع أو أن يُعرِض عن ملكه، على القول بأن الأعراض من مسقطات الملك.
فلذي الحق سلطنة على الشيء ولا سلطنة له على السلطنة
فظهر أن كون الحق سلطنة لا يتناقض مع عدم ملكه إسقاطه أي لا يتناقض مع عدم القدرة على إسقاطه إذ يراد بـ(الحق سلطنة) أي سلطنة على الشيء ، ويراد بعدم القدرة على إسقاطه عدم القدرة على إسقاطه هو هو فلا سلطنة له على هذه السلطنة بإسقاطها وإن كانت له السلطنة على متعلق هذه السلطنة، فقد اختلف المتعلق إذاً.
والحاصل أن قوله (فإنه لو لم يقبل الإسقاط فكيف يكون له السلطنة) إنما يرد لو أراد اليزدي (السلطنة على الشيء) وانها لا تقبل الإسقاط ولا يرد لو أراد عدم السلطنة على نفس هذه السلطنة بإسقاطها، وظاهر كلامه هو الثاني إذ يقول أنه حق (أي سلطنة) غير قابل للإسقاط بأن يسقط الحق نفسه، وصحة إسقاط الحق يعني السلطنة على السلطنة إذ الحق = السلطنة والإسقاط = القدرة على إعدامها. فتدبر وتأمل([3]).
3- الحق عرفي، ومنه اللازم
الجواب الثالث: أنه لا حقيقة شرعية لمصطلح (الحق) بل هو بمفهومه عرفي، غاية الأمر أن الشارع ابانَ حال بعض المصاديق وأنها حق أو لا بعلمه المحيط أو وسع أو ضيّق في بعضها، فإذا كان عرفياً فالمرجع العرف، والمشاهد بالوجدان أنهم يرون بعض الحقوق لازمة كحق التعلم والتعليم وحق العمل وحق التصويت فهو حق له لكنه لازم له، فتأمل.
بل قد يقال بأن حال الشرع أيضاً كذلك بدعوى أن الأبوة حق (وإن كانت بإحدى جهاتها الأخرى، حكماً، كما سيأتي) وهو حق لازم بل وكذا حق المؤمن على المؤمن. فتأمل
والسر في ذلك: أنه قد تقتضي الحكمة جعل الحق لازماً: فأما كونه حقاً فلأنه نشأ من كونه (له) لا (عليه)، عكس الحكم الإلزامي الذي هو في مصبه "عليه" أي فرضٌ فرض عليه وإن كان مآله له وسيأتي ما ينقح ذلك أكثر – ولكن حيث رأى من بيده الاعتبار أن كثيراً من الناس قد يفرّطون في حقوقهم التي لهم فيهملونها أو يسقطونها، جعلها لازمة لهم غير قابلة للإسقاط، فهو حق لأنه (له) وهو (لازم) لأن لزومه هو المحقق للغرض والضامن لبقائه (له) وفي ذلك نقاش سيأتي لاحقاً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
..............................................
قال الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالة إلى بعض أصحابه: " جَعَلَ عَزَّ وَجَلَّ لِأَفْعَالِكَ عَلَيْكَ حُقُوقاً، فَجَعَلَ لِصَلَاتِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَلِصَوْمِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَلِصَدَقَتِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَلِهَدْيِكَ عَلَيْكَ حَقّاً وَلِأَفْعَالِكَ عَلَيْكَ حُقُوقاً، ثُمَّ يَخْرُجُ الْحُقُوقُ مِنْكَ إِلَى غَيْرِكَ مِنْ ذَوِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْكَ، فَأَوْجَبُهَا عَلَيْكَ حُقُوقُ أَئِمَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَعِيَّتِكَ ثُمَّ حُقُوقُ رَحِمِك..." الخصال: ج2 ص565
=====================
الثلاثاء 4 ذو الحجة 1437هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |