137- كلام المحقق اليزدي (طبع الحق يقتضي صحة اسقاطه ونقله) ـ مناقشات عديدة، وهل العلاقة في (جعل الخيار) ـ علاقة السبب بالمسبب او علاقة المصدر واسم المصدر
الثلاثاء 4 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(137)
اليزدي: طبع الحق يقتضي جواز نقله وإسقاطه
وقد ارتأى المحقق اليزدي: (ان طبع الحق يقتضى جواز اسقاطه ونقله لأن المفروض كون صاحبه مالكا للامر ومسلطا عليه)([1]) ويؤكده أن الحق مرتبة من السلطنة فإذا كان مسلطاً على الشيء كان مسلطاً على إسقاطه ونقله كما أن الملك مرتبة قوية من السلطنة (وذلك على بعض المباني كما سبق).
إضافة إلى أن الحق هو (له) وليس (عليه) ومقتضى كونه له هو أن له نقله وإسقاطه.
وظاهر بل نص عبارة اليزدي الاقتضاء لا العلية، وبذلك يختلف عن الميرزا النائيني الذي ارتقى عن اليزدي درجةً فذهب إلى أنه لا يمكن تصوير الحق الذي لا يمكن إسقاطه.
المناقشات:
وقد سبقت مناقشة الميرزا فلنعطف الكلام إلى مناقشة اليزدي فنقول:
1- ما كان منشؤه مراعاة حق الشخص فانه يقتضي، دون غيره
أولاً: أن ذلك إن تمّ فإنما يتمّ في بعض أصناف الحق دون غيره فإن الحق:
إما أن يكون منشؤه مراعاة حق الشخص نفسه كحق الرهانة وحق التحجير وحق الرجوع في الهبة وحق بعض الأرحام في النفقة، والمراد مراعاته كمصبّ وسبب أساس وإن ترشحت منه فوائد على النوع.
وإما أن يكون منشؤه مراعاة حق النوع أو الغير معاً وذلك كحق الولاية للأب والحضانة للأم أو كحق التصويت.
وإما أن يكون منشؤه مراعاة حق النوع صرفاً، وذلك كحق الولاية للحاكم([2])، فيكون (حكماً) ظاهراً.
وطبع الحق إنما يقتضي جواز إسقاطه ونقله في القسم الأول فقط دون الثاني، فكيف بالثالث وإن فرض تسميته حقاً، إذ مادام وجه منحه الحق هو مصلحته ومصلحة الغير معاً أو مصلحته ومصلحة النوع فلا يقتضي طبع حقه جواز إسقاطه ونقله إذ للغير فيه مدخل وليس حقه فقط، نعم لو تطابقت المصلحتان وتطابق الطرفان معاً على النقل أو الإسقاط كان له وجه. فتأمل
ثم أنه لو تمحَّض الحق في كونه (له) بما هو شخص فانه قد يقتضي لزومه كي لا يفوِّته المكلف جهلاً بمنفعته أو يضطر إلى إسقاطه بضغط وشبهه، فحيث كان منطلقه ومبعثه مصلحته وكونه (له) كان حقاً وحيث احتاط الشارع عليه بنيله مصلحته وعدم تفويتها عليه جهلاً بأهمية هذا المصلحة أو إكراهاً أو اضطراراً جعله لازماً، نظير الإرث (وهو حكم كما لا يخفى ولذا عبرنا بالنظير) فانه وإن كان مما روعي فيه مصلحة الوارث إلا أنه جعل حكماً غير قابل للإسقاط كي لا تعضل البنات وغيرهن ويكرهن على إسقاطه فانه لا يسقط بوجهٍ.
وعليه فطبع الحق إن تجرد عن مثل هذا المانع يقتضي جواز النقل والإسقاط، ولذلك عبر اليزدي بالاقتضاء دون العِلّية، فهذا توضيح أو تتميم لكلامه في ذيل إشكالنا الأول عليه وليس إشكالاً آخر، نعم يصلح إشكالاً على المحقق النائيني إذ به يتم تصوير الحق اللازم.
2- البحث موقوف على ورود كلمة الحق في الشريعة أو إمضائها
ثانياً: أن الكلام كله موقوف على إثبات مقدمة تعد مبنى البحث كله، ولم يجر في كلامه (قدس سره) إثباتها، وهي: ورود لفظ الحق بمعناه القسيم للحكم في الآيات والروايات ليقال بأن طبع الحق يقتضي كذا، نعم يكفي كونه في العرف الحاضر كذلك وبأصالة عدم النقل يثبت كونه في زمن المعصومين (عليهم السلام) كذلك فيكون ممضىً بالتقرير أو عدم الإنكار فيجري البحث في أن مقتضى الحق كذا وكذا. فتأمل
3- الحق المجعول عين الجعل، فهو حكم لا يمكن نقله أو إسقاطه
ثالثاً: وأشكل عليه في العقد النضيد: بـ(وثانياً: اعتبر السيد (رحمه الله) جعل حقّ الخيار من مقولة الحكم، والمجعول فيه من مقولة الحقّ، وعليه فلو اعتبرنا النسبة بين الجعل والمجعول على نحو السبب والمسبّب، لأمكن تصوير جعل أحدهما من سنخ الحقّ والآخر من سنخ الحكم، ولكن النسبة بينهما نسبة المصدر واسم المصدر، وهذه تعني أنّ حقيقتهما واحدة وإن اختلفا بالاعتبار، فليس هناك جعل بوجود خاصّ ومجعول بوجود آخر، فلا معنى حينئذٍ أن يكون جعل حقّ الخيار حكماً والحقّ المجعول من مقولة الحق)([3]).
توضيحه: أنك إذا قلت (جعل اللهُ خيارَ الشرط أو المجلس مثلاً) ولنختصره، ليتضح المقصد أكثر، بـ(جعلُ الخيارِ) فإن العلاقة بين المضاف والمضاف إليه (والمضاف هو الجعل أي جعل الله والمضاف إليه هو المجعول) فيها قولان:
الأول: انها علاقة السبب بالمسبب فإن جعله تعالى للخيار هو علة ثبوته ووجوده.
الثاني: أن العلاقة هي علاقة المصدر باسم المصدر ([4]) بل أن أحدهما عين الآخر والاختلاف بالإضافة فالمجعول جعلٌ والجعلُ مجعولٌ إذ انه إن أضيف إلى الفاعل كان جعلاً أو إلى القابل كان مجعولاً؛ وذلك لأنه من صغريات العلاقة بين الايجاد والوجود وقد التزم بعضهم بأن الإيجاد عين الوجود والخلق عين المخلوق والإنشاء عين الـمُنشأ.
الجواب: بل هو غيره، فهذا حق وذاك حكم
وقد أجبنا عن ذلك سابقاً بوجوه عديدة منها ضرورة أنه يقال أَنشأ فنَشأ أو فوُجد الـمُنشأ ولا يعكس (نشأ فأَنشأ): أو وُجِد المنشَأ فانشأ، ويقال خَلق فخُلق أو فوُجد المخلوق ولا يعكس، ويقال أوجده فوجد أو فصار موجوداً ولا يعكس بالبداهة.
والحاصل: أنه إن قلنا بأن جعله الخيار حكمٌ وان الخيار نفسه حقٌ لكونهما من السبب والمسبب صح كلام اليزدي، لولا إشكالنا السابق عليه، فإن الكلام في الخيار نفسه وأنه قابل للنقل والإسقاط لا في جعله فانه فعل الله وهو مما ليس بأيدينا بوجهٍ فكيف بإسقاطه أو نقله؟
وأما إن قلنا بأن جعل الخيار والخيار أمر واحد فلا بد من الذهاب إلى أنهما حكم معاً (وقولنا أنهما تجوّز على هذا الرأي أو هي تعددية اعتباري محضة لا حقيقية) أو حق معاً، وحيث لم يمكن القول بأنه حق إذ كيف يسقط أو ينقل حكم الله فلا بد من القول بأنه حكم فلا يصح نقله ولا إسقاطه، فهذا تطوير لما ذكره العقد النضيد، لكنه لا يخفى ما فيه فتأمل وتدبر.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "وَالْهَوَى عَدُوُّ الْعَقْلِ وَمُخَالِفُ الْحَقِّ وَقَرِينُ الْبَاطِلِ وَقُوَّةُ الْهَوَى مِنَ الشَّهَوَاتِ.
وَأَصْلُ عَلَامَاتِ الْهَوَى مِنْ أَكْلِ الْحَرَامِ وَالْغَفْلَةِ عَنِ الْفَرَائِضِ وَالِاسْتِهَانَةِ بِالسُّنَنِ وَالْخَوْضِ فِي الْمَلَاهِي"
مستدرك الوسائل: ج11 ص212.
...........................................
الثلاثاء 4 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |