168- فلسفة السرقفلية (حق الخلو) ومنشأها تأريخياً ـ محتملات ماهية حق الخلو 5ـ انها اجرة معجلة ـ المناقشة في احتمال كونها صلحاً او جعالة
السبت 12 جمادى الاخرة 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(168)
تتمتان
أسماء السرقفلية في مختلف البلاد ومعانيها
سبق (للسرقفلية تسميات عديدة في الأعراف المختلفة وهي: الخُلوّ، بدل الخلو، خلو الرجل، نقل قدم، والفروغية)([1]) ونضيف:
انها تسمى في العراق وإيران بالسرقفلية، وفي العراق بالخلو أو بدل الخلو ونقل القدم وشبهها، وفي بلاد الشام بالفروغ أو الفروغية، وفي المغرب بالجلسة أو الانزال، وفي مصر بالمفتاح وبالزينة.
ووجه تسميتها بالمفتاح لأن المستأجر يملك مفتاح المحل – وهو رمز ملك التصرف فيه - فله أن يأخذ عليه (بإزاء نقله إلى المستأجر الجديد) مالاً (وكذا المالك مالك للمفتاح فله بإزاء نقله للمستأجر أن يأخذ عليه مالاً) والتسمية بالزينة لأن المستأجر حيث كان له تجديد العقد دائماً حتى بعد انتهاء مدة الإجارة فانه ينشغل بزينة المحل وتزيينه وإحداث التغييرات فيه حيث أمِن إخراجه منه.
وأما تسميته بالجلسة فلأنه – المستأجر – يجلس فيه آمناً من الإخراج عند انتهاء مدة الإجارة.
وبالفروغية لأنه يُفرغ للمستأجر الجديد المحلَّ مقابل مبلغ من المال، أو لأن المستأجر الدافع للسرقفلية (الفروغية) فارغ البال من احتمال إخراجه أو زيادة الأجرة.
وكذلك بدل الخلو أو الخلو لأنه يخلي لغيره المكان مقابل ثمن.
وأما السرقفلية فمؤلفة من (سر) بمعنى الرأس و(قفل) وهو معروف؛ لأن المستأجر الأول (وقبله المالك كذلك) يملك رأس القفل كناية عن ملكه التصرف في المحل بقفله وإغلاقه أو فتحه فله أن يأخذ مبلغاً مقطوعاً من المال لقاء نقل هذا الحق أو شبهه.
تاريخ السرقفلية وفلسفتها: بين الشيوعية والرأسمالية
والتطرق لتاريخها يجدي في معرفة ماهيتها بما يسهل الحكم عليها ويوضح وجه حرمة بعض أنواعها وحلية بعضها الآخر.
فقد قال السيد الروحاني مد ظله في المسائل المستحدثة (تأريخها، و الظاهر أنّها وليدة الأيّام المتأخّرة، والأصل فيها أنّ مجلس النوّاب في إيران وضع قانوناً في باب الإجارة وهو أنّه ليس للمالك المؤجّر إخراج المستأجر وأخذ العين المستأجرة منه بعد انقضاء مدّة الإجارة، و لا أن يزيد في كرائها خلافاً([2]) للقانون الشرعي، واتّفق بعد ذلك غلاء الأسعار، وبالطبع زاد كراء الأملاك، فاضطرّ ملّاك الأماكن من الدكاكين والفنادق والمنازل وغيرها- لأجل تنمية الثروة أن يؤجّروا أماكنهم بأنقص من كرائها ويفوّضوا أمر الإيجار إلى المستأجرين، بإزاء مقدار من المال، فمثلًا: يأخذ المالك ألف تومان بعنوان السرقفليّة ومائة تومان بعنوان الإجارة السنوية، وبإزاء السرقفليّة يفوّض أمر الإيجار بعد مضيّ السنة إلى المستأجر، وقد صار ذلك أمراً عرفيّاً شائعاً في الأسواق)([3]).
والظاهر أنه يقصد من (الأصل فيها...) أي الموجود منها في إيران؛ وذلك لأن الظاهر هو أن الأصل فيها هو البلاد الغربية وإن ما جرى في إيران وسائر بلاد الإسلام من وضع هذه القوانين أنه (لا يحق للمؤجر إخراج المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة ولا أن يزيد في الأجرة حتى وإن زادت قيمتها السوقية أي لا يحق له أن يزيدها عند تجديده العقد قهراً عليه؛ إذ بقاءها على ما هي عليه حسب العقد طول مدة العقد لا إشكال فيه بل هو مقتضى القاعدة) كان انعكاساً لما جرى في بلاد الغرب وتقليداً لهم.
وأما وجه إقرار الغرب للقانونين مع أنه ظلم فاحش للمالك وتدخُّل في شؤون ما يملكه قسراً عليه ومع أنه مخالف لمقتضى عقد الإجارة، فالظاهر أنه كان انعكاساً وصدى للحركات الشيوعية في العالم ورد فعل على مبدئهم الذي بدأ مغرياً للعمال والكادحين في شتى البلاد وهو أن (الرأسمال) يجب أن يعود للعمال وأنه (لا للرأسمال) و(لا للإقطاع) (وذلك كله كشعار يخفي واقعاً آخر وذلك لأنهم عندما وصلوا في روسيا وغيرها للحكم أخذوا كل شيء([4]) من الأغنياء والفقراء معاً واستفردت به الحكومة فصارت هي التاجر والإقطاعي والرأسمالي الجديد الأكبر بل الوحيد في الساحة).
وقد اعتبرت الشيوعية أصحاب رؤوس الأموال سرّاقاً لحقوق العمال فكان الحلُّ في نظرهم هو في تمليك العمال للمعامل والأراضي ورؤوس الأموال وغيرها..
وحيث أحدثت هذه الحركة العمالية الشيوعية والاشتراكية أمواجاً هادرة في نفوس العمال في الغرب والبلاد المستعمرة له واجهوه بسلسلة من التدابير السياسية والاجتماعية والاقتصادية وكان منها إعطاء سلسلة من الحقوق – بزعمهم – للعمال والكادحين ومن أشبههم لتخديرهم ولاسترضائهم، فكان منها ذانك الحقان: وهو أنه لا يحق للمالك المؤجر (وقد افترضوه رأسمالياً ثرياً ظالماً) أن يخرج المستأجر (وقد افترضوه كادحاً عاملاً فقيراً) حتى بعد انتهاء مدة الإجارة ولا أن يزيد عليه في أجرة المثل حتى لو ارتفعت الأسعار.
ومن الواضح أن كلا القانونين باطل وغير عقلائي في أصله وفي تفاصيله: إذ ان افتراض أن كل مالك مؤجر رأسمالي غني، وكلَّ مستأجر عامل محتاج ثم وضع هذين القانونين بشكل عام على ضوء ذلك، مجانب للحقيقة إذ:
أولاً: ما أكثر الملاك المؤجرين الفقراء الذين لا يملكون إلا الوارد من تأجير بستانهم أو دكانهم أو ما أشبه.
وثانياً: ما أكثر المستأجرين الأغنياء بل لعل أكثر المستأجرين في العالم للمحلات والفنادق والمطاعم وأشباهها هم من الأغنياء أو من الطبقة المتوسطة.
إضافة إلى أن عقد الإجارة ككل العقود الأخرى مبني على التراضي بين الطرفين على المدة والأجرة، وعلى ذلك جرت كافة الأمم والملل والأديان والنحل، فإجبار المالك على تمديد مدة إيجار المحل رغم أنه اتفق مع المستأجر على مدة محددة فقط وعلى أجرة محددة لا يجوز له أن يزيد عليها عند تجديد عقد الإيجار رغم ارتفاع الأسعار في السوق، خلاف مقتضى اتفاقهما وخلاف مقتضى العقد الذي تراضيا عليه وأجرياه وخلاف منطق العدل والإنصاف والعرض والطلب في إطار (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ)([5]).
وأما وجه منشأية ذلك للسرقفلية والخلو فهو إما ذكره السيد الروحاني وقد سبق، وإما: أن الملاك حيث رأوا الإجحاف بحقهم وقهرهم على خلاف مقتضى عقودهم حاولوا تعويض القسرين والخسارتين (القسر على تمديد مدة الإجار بعد انتهائه رغم انهم قد يرغبون في تأجيره لغير المستأجر الأول، والقسر على إبقاء أجرة المكان كالسابق حتى بعد تجديد العقد رغم أن أجرة المكان قد تكون ارتفعت سوقياً في كثير من الأحيان) بأخذ مبلغ مقطوع مقدَّم هو المسمى بالخلو أو السرقفلية تعويضاً عن خسارتهم وعن تقييدهم في التصرف في ملكهم.
ومنه ظهر أن ذلك كله لو جرى برضا الطرفين كان جائزاً حلالاً – على بعض الصيغ الماضية أو الآتية، لا كلها - إذ لهما أن يتراضيا على أي شرط لا يتنافى مع مقتضى العقد وإن نافى إطلاقه.
إشكال الروحاني على كون السرقفلية صلحاً أو جعالة
وقد أشكل السيد الروحاني على تصحيح السرقفلية باعتبارها صلحاً أو جعالة، وهما الوجه الثاني والرابع مما مضى في الدرس السابق، بقوله:
(وبما ذكرناه ظهر عدم تماميّة ما قيل لتصحيح هذه المعاملة:
بالالتزام بالصلح: بأن يتصالح الطرفان على أن يدفع المستأجر مبلغاً من المال، بإزاء عدم مزاحمة المالك للمستأجر في إيجار المحل لمن شاء عند انتهاء المدّة أو قبلها.
أو بالالتزام بالجعالة: بأن يدفع المستأجر مبلغاً، كجعالة إلى المالك على أن لا يزاحمه في الإيجار.
فإنّه قد مرّ أنّ عدم المزاحمة لا يكفي، و إعطاء السلطنة على الإيجار لا يصحّ مع عدم العلم بأنّها قابلة للانتقال أم لا، ولم يدلّ دليل عليه، ومقتضى الأصل عدمه، فلا يصحّ الصلح ولا الجعالة)([6]).
وأنت ترى جريان اشكاله، لو تمّ، على اعتبارها عقداً مستأنفاً (وهو الوجه الثالث مما مضى).
حق السرقفلية (حق الإيجار) لا يعلم صلاحيته للنقل
وملخص إشكاله بعبارة أخرى: أن باب الصلح وإن كان واسعاً وكذا باب الجعالة وانه يغتفر أيضاً فيهما ما لا يغتفر في غيرهما إلا أنه متوقف على قابلية ما صولح عليه أو ما جعل، للنقل إلى الغير، والسرقفلية لا يمكن نقلها إلى الغير إذ انها هي (حق الإيجار) (السلطنة على الإيجار، بتعبيره) وهذه السلطنة قائمة بالمالك نفسه ولم يدلّ دليل على صحة نقلها إلى غيره بأن يكون للغير وهو المستأجر حق إيجار الدكان (المملوك لغيره) إلى المستأجر الجديد.
هذا عن الشق الثاني من كلامه، وأما الشق الأول فهو أن تكون السرقفلية مقابل (عدم مزاحمة المالك للمستأجر في إيجاره – أي المستأجر – للمحل لمن شاء بعد انتهاء مدة الإجارة أو قبلها) ووجه الإشكال أن صِرف عدم مزاحمة المالك للمستأجر لا يعني إعطائه صلاحية التأجير فان عاد إليه وكان هو المراد منه عاد الإشكال السابق (وهو عدم صلاحية حق التأجير للنقل أي عدم ثبوت دليل على صلاحيته لذلك) قال مد ظله قبل هذا الكلام (وأضف إلى ذلك: أنّ عدم المنع من الإيجار لا يكفي، بل لا بدّ وأن يكون مسلّطاً على الإيجار.
فإن قيل: إنّه يعطيه هذه السلطنة.
قيل: إنّه يرجع إلى الوجه السابق، وقد عرفت ما فيه)([7]) وستأتي المناقشة غداً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "أَوَّلُ مَا يُنْظَرُ فِي عَمَلِ الْعَبْدِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ قُبِلَتْ نُظِرَ فِي غَيْرِهَا وَ إِنْ لَمْ تُقْبَلْ لَمْ يُنْظَرْ فِي عَمَلِهِ بِشَيْءٍ"
عوالي اللآلئ: ج3 ص65.
..............................................
السبت 12 جمادى الاخرة 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |