63- خلاصة اراء الشيخ و الاخوند و الراي المنصور في الاقل و الاكثر الارتباطيين - جواب اشكال عدم حكم العقل بحسن الاحتياط
الاثنين 6 ربيع الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
كان البحث حول تفصيل الميرزا النائيني (قدس سره) في مبحث الاحتياط في صورة دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطين في الأجزاء الخارجية، وذكرنا إن الميرزا فصل بين الصور الثلاث المتقدمة حيث رأى الاحتياط فيما لو تعلق الأمر بالغرض (المسبب التوليدي)، والبراءة فيما لو تعلق بالسبب الإعدادي، والرجوع إلى لسان الدليل فيما لو شك في نوع الغرض وانه توليدي أو إعدادي .
ذكرنا ان هذه الصور الثلاث بأجمعها؛ هي مجرى البراءة استنادا إلى الإطلاق المقامي, فالبراءة نقلية إذن ,هذاٍ ما مضى.
الان نشير (لكي نستثمر البحث في تنقيح حال الكبرى)الى عناوين الأقوال في هذه الكبرى الكلية دون الدخول قي التفاصيل لكي يكون البحث اكثر كمالا , فنقول:الاقوال في هذه الكبرى الكلية متعددة:
القول الاول:ذهب اليه الشيخ الانصاري (قدس سره)حيث رأى ان الاقل والاكثر الارتباطيين هما كالاستقلاليين، مجرى البراءتين العقلية والنقلية، الاستقلاليان: مثل ما لو شككت اني مدين بتسعة دراهم او عشرة دراهم فالقدر المتيقن هو الاقل فيجب ان افرغ ذمتي من التسعة اما الدرهم العاشر فمشكوك فيه فهو مجرى البراءة فالشيخ الانصاري رأيه ان الاقل والاكثر الارتباطيين
المجرى فيهما البراءة ايضاً، كما في الصلاة حيث ان اجزائها ارتباطية، فلو ترك جزءا عمدا بطلت باجمعها ولو ترك ركنا عمدا او سهوا بطلت باجمعها،واستدل الشيخ : بأن الاقل (الاجزاء التسعة من الصلاة ) متيقنة الوجوب، اما الجزء العاشر فهو مشكوك الوجوب، فهو مجرى البراءة عقلاً ونقلاً، اما ان الاقل متيقن الوجوب فذلك لان الاقل -الاجزاء التسعة من دون جلسة الاستراحة مثلاً- واجبة على كلا التقديرين أي سواء تعلق الوجوب بالتسعة فقط فهي واجبة وجوبا نفسيا أو تعلق الوجوب بالاكثر
فالتسعة واجبة وجوبا غيريا وبتعبيراخر ادق وجوبا ضمنيا.
اذن الشيخ ارجع الاقل والاكثر الارتباطيين الى معادلة المتيقن والمشكوك فصار وزانهما وزان الاقل والاكثر الاستقلاليين.
ومما مضى من كلامنا السابق ظهر وجه الاشكال في كلام الشيخ حيث ان الشيخ اجرى البراءة العقلية وهنا موطن الاشكال وهو ان البراءة العقلية غير جارية بقول مطلق اي ننفي اطلاق كلام، ذلك في صورتين:
الصورةالاولى: لو تعلق الامر بالغرض(الصورة الاولى من صور الميرزا) فلو تعلق الامر بالغرض فالمجرى مجرى الاحتياط لا البراءة وكون الاقل قدرا متيقنا ينفي التنجز الناشيء من جهة الغرض فالشيخ حلﱡ الاشكال من حيث المتيقن واللامتيقن لكن اشكال الغرض موجود فالمشكلة الفعلية تنشأ من الغرض ومن مبحث العنوان والمحصل كما مضى .
الصورة الثانية: فيما لو تعلق الامر بالسبب أو العلة التوليدية فانه في هذه الصورة ايضا لا تجري البراءة العقلية على راي مثل الميرزا قدس سره, هذا هو القول الاول بايجاز.
القول الثاني: للآخوند الخرساني وتبعه جمع منهم الميرزا النائيني, حيث ذهبوا الى ان المجرى في الاقل والاكثر الارتباطيين هو الاحتياط عقلا والبراءة نقلا, لكن استنادا الى حديث الرفع , ونحن نتفق مع الاخوند في المدعى لا في الدليل اذ نذهب الى الاحتياط العقلي لو تعلق الامر بالغرض أو بالسبب التوليدي ونذهب الى البراءة النقلية لكن لا لحديث الرفع وانما لما تقدم من جريان الاطلاق المقامي.
اما لماذا ليس استناداً لحديث الرفع؟ فلنوضح كلامه قدس سره اولاً ثم نجيب:
ان الآخوند يقول: (رفع ما لا يعلمون) شاملة للمقام ، (اي:الاحتياط العقلي موجود لكن البراءة النقلية حاكمة) اذ أننا وجدانا نشك في الجزء العاشر- كجلسة الاستراحة - هل هي واجبة ام لا؟فهل تم بيان من الشارع أم لا؟ والجواب لم يتم فاذن صار مصداق(ما لا يعلمون)فيرفع.
مما تقدم من الكلام ظهر وجه الاشكال على هذا الاستدلال وهو ان الجزء العاشر مما يعلم وليس مما لا يعلم (فيما لو تعلق الامر بالغرض) اذ ان جزءه العاشر ببركة الغرض يكون مما يعلم لزوم تحقيقة لأنه قد انشغلت الذمة بالغرض قطعا، ولو لم يؤت بالجزء العاشر المشكوك نشك في ان المأتي به - الصلاة ذات الاجزاء التسعة - هل تحقّق الغرض او لا؟ فالاشتغال اليقيني – ليس بالتكليف فقط بل بالغرض ايضا- يستدعي البراءة اليقينية .
وبتعبير اخر: لو خُلينا نحن والجزء المشكوك بنفسه، لكان الحق مع الشيخ من جهة والحق مع الآخوند من جهة اخرى، فالحق مع الشيخ حيث راى انه مشكوك فالمجرى مجرى البراءة عقلا وكان الحق مع الاخوند لأنه مشكوك فهو مصداق لما لا يعلمون فهو مرفوع,ولكن الفرض اننا لم نُخلَّ والجزء العاشر بما هو هو بل كان هناك دليل حاكم وهو الغرض فلوجود الغرض ابتلينا بالقول بلزوم تحقيق الجزء العاشر، اي وجود الغرض الذي هو متعلق الامر او الذي سببه التوليدي متعلق للامر هو الذي سبب الاحتياط العقلي وسبب عدم شمول حديث الرفع هذا ايجاز شديد جدا للاقوال في المسألة حتى نعطي نظرة عامة في المقام.
اذن حتى الان اجبنا على اشكال الغرض وتفصينا عنه بالاطلاق المقامي حيث استنتجنا ان قصد الوجه وقصد التمييز وان كان الاحتياط غير متكفل بهما الا ان فقدانهما لا يضر تمسكا بالاطلاق المقامي .
نتمم البحث بالاشارة الى بقية الادلة وقد ظهر وجه الجواب عنهما مما تقدم فلذا سوف نوجز:ذكرنا ان الادلة التي يمكن ان تقام على لزوم قصد الامر وقصد الوجه هي اربع منها برهان الغرض ومنها برهان الحُسن ومنها عنوان الاطاعة وقد اجبنا عن عنوان الاطاعة وعن الغرض بقي الاجابة عن عنوان الحسن: فنقول كان المدعى ان العقل يستقل بحسن اتيان المأمور به العبادي اذا كان مع قصد الامر وقصد الوجه لكن المامور به العبادي (المركب) مع افتقادهما، يُشك في حكم العقل استقلالا بحسنه وحيث ان العقل دليل لُبي فلا اطلاق له ,هذا هو الاشكال والدليل على لزوم القصدين:
و قد ظهر الجواب مما مضى؛ اذ نقول: ان العقل يستقل دون ريب بحسن الاتيان بالمأمور به الفاقد للقصدين في صورتين:
الصورة الأولى: إذا كان الإتيان بهذا الفعل - وان كان فاقدا للقصدين- من باب الحائطة على اغراض المولى الُملزمة فهنا العقل يستقل بالحكم بحسنه، كما لو اتى بالصلاة إلى جهتين عند الشك في القبلة، أو بثوبين احدهما نجس ولا يعلم ايهما هو، من باب الحائطة على أغراض المولى الملزمة فهو حسن بلا شك.
الصورة الثانية: لو أتى بالفعل برجاء المطلوبية لا من باب الحائطة كما في غير صورة الدوران بين المتباينين ,كما في صورة الشك الابتدائي كالدعاء عند رؤية الهلال فلو أتى بالدعاء برجاء المطلوبية فأن العقل يستقل بالحكم بحسنه وهذه الإجابة واضحة وتتضح أكثر بمراجعة ما تقدم .
حتى الآن انتهينا من هذا الإشكال الجوهري والمحوري في العبادات من حيث مشكلة قصد الوجه والتمييز , وهناك إشكالات أخرى طرحها العديد من الأعلام يمكن أن تراجع في بيان الفقه وغيره، وحالها يظهر مما سبق بشكل أو بأخر فلا حاجة للتطرق لها, وسيأتي الكلام عن إشكال واحد شهير في المعاملات وهو الاخلال بقصد الانشاء، ويعد من أقوى الإشكالات ونجيب عنه إن شاء الله.
فائدة :
طبيعة المباحث الأصولية والفقهية وكذلك مباحث القواعد الفقهية , تختلف؛ فتارة المبحث يقتضي التبسيط وتارة آخري يقتضي التعمق والتعقيد خاصة عند النقاش مع اعلام الاصوليين فيما ذهبوا إليه فأن طبيعة هذا النقاش مبتنية على التدقيق والتعمق، و التبسيط في مثل ذلك لا ينفع كثيراً في تنمية ملكة الاجتهاد، وإنما التطور وليد التحدي العلمي, فالبحث إذا كان أكثر دقة وأكثر تعقيدا فليعلم المرء انه الطريق الأقرب إلى المزيد من التكامل وتنمية الملكة .هذه نقطة.
والنقطة الثانية:إن منهجنا في هذه المباحث هو المنهج العلمي التطبيقي، وعدم الاكتفاء بمجرد طرح الآراء والأقوال ومناقشتها، بل نحاول أن نتتبع مسائل علم الأصول وأحيانا علم الرجال والقواعد الفقهية، فنصطاد قواعد مختلفة لكي نطبقها على المقام لأن هذا هو الذي يجدي وينفع أكثر في تنمية الملكة، ومما يوضح ذلك اننا نجد في علم النحو ضرورة سلوك منهج النحو التطبيقي، فقد يكون الشخص أستاذا في النحو لكنه يخطأ عند القراءة، لأنه لم يمارس النحو التطبيقي، وإنما درس النحو النظري. وعلم الأصول من ها القبيل فلو إن إنساناً درس الأصول وعلم الفقه، لكن دون تتبع لهذا المنهج التطبيقي، فانه يكون حاله كحال ذاك العالم في النحو غير المُطبّق , ولذا كان الدأب فيما تقدم من الأبحاث المجيئ ببعض المباحث المفتاحية من الأصول أو غيرها، وتطبيقها على المقام، مثلا بحث الإطلاق المقامي هو بحث جوهري ومفتاحي وسيال، فتوقفنا عنده وتوقفنا كذلك عند مبحث الغرض لأن مبحث الغرض من أهم المباحث الأصولية، وفي تصوري انه بوزان بحث الامر ولا يقل أهمية عن مبحث الأوامر والنواهي بأكملها ويستدعي كتابة مجلد ضخم. والحاصل: ان هدفنا من استعراض ذلك لم يكن استيعاب كافة الجوانب في بحث الغرض او الإطلاق المقامي، اذ ذلك موكول لابوابه الخاصة، ولكن الغرض كان اصطياد بعض القواعد المتفرقة في الأصول، والقاء نظرة سريعة عليها، لاستحضار شتى عناوين المباحث بايجاز، ولتطبيقها على مبحث الاجتهاد والتقليد أو قاعدة الإلزام لكي نتدرب أكثر على ربط الفقه بالأصول وعلى الأصول التطبيقية.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين....
الهوامش ...
(1) جريان الاحتياط او البراءة عند الشك في صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين في الاجزاء الخارجية لا التحليلية
الاثنين 6 ربيع الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |