147ـ تتمة الجواب الاول ـ محتملات (الآباء) في الايات الذامَّة لاتباعهم ـ الجواب الثاني لصاحب القوانين
الاثنين 22 شوال 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تقدم الكلام حول طوائف الايات القرانية التي استُدل او يمكن الاستدلال بها على وجوب النظر والاجتهاد في اصول الدين وحرمة التقليد
ووصل الكلام الى الطائفة الثانية التي ذكرها صاحب القوانين وعدد اخر من الاعلام وهي الايات الدالة على ذم الكفار على اتباعهم ابائهم من غير فكر ونظر كقوله تعالى(قالوا بل نتبع ما الفينا عليه ابائنا أوَلَو كان اباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) وقبل اكمال البحث في الاية نقول: هذا المبحث والجواب هنا عن الايات الشريفة ينفع ايضا في الاجابة عن قول الاخباريين بان التقليد حرام في فروع الدين لأن الإخباري يمكن ان يستدل على حرمة التقليد في فروع الدين بهذه الايات الشريفة ايضا ,اذا هذه الايات يمكن الاستفادة منها في حقلين ويجب الاجابة عنها (حرمة التقليد في اصول الدين كما هو مورد البحث وحرمة التقليد في الفروع كما هو البحث المعروف)
قلنا في الاجابة عن الاستدلال بهذه الايات الكريمة ,بان موضوع الذم والنهي في هذه الايات هو الاباء والنسبة بين الاباء وبين المجتهد العادل الجامع للشرائط هي العموم والخصوص من وجه فلا يسرى الحكم الثابت لأحد العنوانين للعنوان الاخر فان العنوانين متباينان وليسا مترادفين, اللهم الا ان نتعدى من (الآباء) الى مطلق اتباع الغير بدعوى التكنية وان الاباء استخدمت واستعملت كناية عن اتباع الغير بقول مطلق عالما كان او جاهلا,توضيح ذلك وتحقيقه يتوقف على بيان مقدمتين: الاولى :بيان معنى الكناية وفرقها عن المجاز.الثانية:بيان الاحتمالات الاربعة في كلمة (آباء) وما هو المراد منها هنا. اما النقطة الاولى فالكناية فرقها عن المجاز هو ان الكناية عبارة عن استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له (اذن ليست من اقسام المجاز), لكن لغاية الانتقال منه الى ملازمه او ملزومه من غير وجود علاقة من العلاقات المصححة مثل علاقة المشابهة والكل والجزء وما اشبه,بدعوى ان اتباع الاباء اعتبرت كناية عن مطلق اتباع الغير، مثاله (زيد كثير الرماد) فهي استعملت في المعنى الموضوع له لكن بقصد الانتقال منه الى الكرم فلم تستخدم هذه الكلمة في الكرم مباشرة بان يُقصد من كثرة الرماد الكرم مباشرة، بل قصد كثرة الرماد واقعا لكن بداعي الانتقال الى ذلك المعنى الاخر وهو الكرم من دون علاقة من العلاقات المعروفة كالمشابهة فلا مشابهة بين كثرة الرماد والكرم فالرماد لونه غامق كالاسود اما الكرم فإنه لو شبه بشيء لكان ابيض او اخضر وما شابه ,هذه هي الكناية
اما المجاز فعلى المشهور هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له بعلاقة مصححة, وخالف في ذلك السكاكي في (الحقيقة الادعائية) وان نوقش في ذلك كما خالف فيه الاصفهاني في بحث دقيق في الفرق بينهما وليس مقام بيانه
والحاصل: ان المدعى هو ان قوله تعالى(بل نتبع ما الفينا عليه ابائنا ) ان كلمة (ابائنا) استعملت في المعنى الموضوع له لأنهم فعلا يتبعون الاباء لكن بداعي الانتقال الى ملزومه او ملازمه من غير وجود علاقة مصححة الا التباني المقدمة الثانية: ان المعاني المحتملة في آباء اربعة لنرى ايها الصحيح، لنرى هل يمكن الاستدلال بالاية ام لا؟ الاحتمال الاول في آباء:هو ان نجمد على ظاهر اللفظ ولا نتعدى منه الى غيره ,فبناءا على هذا, كما سيتضح, فستكون الآية اجنبية عن المدعى تماما، توضيحه: أن الاية وسائر الايات صرحت بـ(بل نتبع ما الفينا عليه ابائنا) لأنهم فعلا كانوا يتبعون آبائهم واجدادهم فالمعنى الحقيقي هو المراد بلا تجوز ولا تكنية إذ ظاهر حالهم وواقعهم انهم كانوا يتبعون الآباء ولم يقصدوا مطلق اتباع الغير، ثم ان المعنى الكنائي يحتاج الى قرينة وفي المقام ليس فقط لا توجد قرينة على التعميم بالتكنية بل ظاهر حالهم الجمود على المعنى نفسه فالقرينة الحالية تؤكد عدم الكناية لا الكناية ,وانهم يتبعون الآباء باعتبار أن لهم الموضوعية كما في العشائر والعوائل الان حيث الآباء لهم الموضوعية ,وسابقا كان الحال كذلك بشكل أقوى,هذا هو الاحتمال الاول الذي نستظهره، وعلى هذا الاحتمال فالايات اجنبية عن الاستدلال على حرمة تقليد المجتهد في اصول الدين او في الفروع الاحتمال الثاني:ان يكون المراد من الآباء التكنية عن اتباع الجاهل فيكنى عن من اتبع الجاهل بمتبع الآباء ,هذا الاحتمال في كلامهم غير وارد لكن الله سبحانه وتعالى جعل المحور هو الجهل والعلم، كما يظهر المحور,فلاحظ التفكيك (قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آبائنا ) إذ يحتمل فيهم ان يعتبروا ابائهم رموزاً للجهل وأن يُكَنّوا بهم عن الجَهَلة, نعم مهاجمهم له ان يقول ذلك لا هو ,اذن فاحتمال ان تكون الآباء كناية عن الجهلة بشاهد حالهم غير وارد,لكن الله سبحانه وتعالى – وهذا هو موطن الاستشهاد - نقل الكلام الى محورية الجهل حيث قال (اولوا كان آبائهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) فالاب بما هو اب لا هو جدير بان يتبع في العقائد ولا هو جدير بان يخالف (لا بشرط) انما الجدير بان يتبع هو العالم والجدير بان يخالف هو الجاهل فالاب بما هو اب لا مدخل له في حسن التقليد والاتباع او قبحهما ,فالاب بما هو اب مثل الحجر بجنب الإنسان اما ما له المحورية فهو العلم والجهل في المتَّبع ولذا يقول الله تعالى(اولو كان ابائهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) فالاب حيث لا يعقل ولا يهتدي فلا تتبعه , فالاية اوضحت المقياس وما عليه المدار,واذا كان الامر كذلك فهو دليل لنا لا علينا أي دليل للمجوزين للتقليد في اصول الدين إذ حاصل مراد الآية أنه من الخطأ ان تتبع اباك ووجه الخطأ انه جاهل بل عليك أن تتبع العالم ومقامنا هو انه هل يجوز تقليد العالم (اهل الخبرة وهو المجتهد الجامع للشرائط)؟ والجواب نعم على ضوء ذلك,اذن هذا المعنى الثاني لنا لا علينا في بحثنا مع الاخباري كما في بحثنا الاصولي الاحتمال الثالث ان يقال بأن آباء كناية عن مطلق اتباع الغير (قالوا بل نتبع ما الفينا عليه ابائنا) بتأييد ان كلمة اباء احيانا تشمل الاعمام وكبار وعلّية القوم وليس خصوص الاب كما في العشائر الان حيث أنهم يتبعون عَلِيّة القوم اعم من كونهم اباء او اعماماً او غيرهم, وهذا الاحتمال لو تم وان الاية كناية عن مطلق اتباع الغير( علية القوم) اعم من كونه جاهلا او عالما ,فلوتم لكان دليلا للخصم أي يكون دليلا باطلاقه وعمومه على ان اتباع المجتهد الجامع للشرائط في اصول الدين ايضا مذموم نقول هذا الاحتمال الثالث مردود لوجوه ثلاثة:الوجه الاول:ان ذلك غير معهود في الاستعمالات العرفية , أي التكنية عن اتباع مطلق الغير اعم من كونه عالما او جاهلا باتباع الاب ,وليس المتداول عرفاً بان احداً اذا اراد ان يردع عن اتباع اهل الخبرة ان يقول لا تتبع الاباء مستندا الى اطلاق هذه المفردة او عمومها الكنائي ,نعم التكنية بالاب عن الجاهل مستعمل (وان لم يقصدوه لكن الاية نقلت المحور كما سبق) لكن ان يكنى باتباع الاباء عن اتباع ما يشمل اهل الخبرة فهذا غير معهود الوجه الثاني: هذا الاحتمال تأباه الايات بنفسها ,أي قرينة رد هذا المعنى في الايات نفسها لأن الايات جعلت المدار على الجهل والعلم (اولو كان ابائهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) فالمحور والمدار هو العلم والجهل لا الغير بما هو غير اعم من كونه عالما او جاهلا ,اذن الايات تأباه وان فرض كونه مقصودهم. الوجه الثالث: مقتضى هذا الاحتمال هو ان اخراج اتّباع اهل الخبرة عن اطلاق هذه الايات يكون بنحو الاستثناء المتصل ولم يقل به احد بل لو عبر بالاستثناء فهو منفصل لا متصل, توضيح ذلك:
انه اذا قال المولى (لا تتبع الاباء) ثم قال (اتبع اهل الخبرة) فهل يرى العقلاء هذا الاستثناء متصلا او لا يرون ربطا لهذا بذاك هما بل موضوعان لهما حكمان(لا تتبع الاباء ) و(اتبع اهل الخبرة) فليس هذا استثناء من ذلك وان وصلا في كلام واحد بل يرون حكما جديداً لموضوع جديد وقد يلتقيان في مادة اجتماع نادرة كما اشرنا سابقا,نعم اذا قال لا تتبع الاباء لكن اتبع الاباء ذوي الخبرة فذلك هو مصداق العام المخصص بعبارة أخرى: لم يقل احد من المستشكل والمجيب بان اتباع اهل الخبرة استثناء من (لا تتبعوا آبائكم)
الاحتمال الرابع: وهو اضعف الاحتمالات بان يقال:ان الآباء في الاية كني بهم عن العلماء وبتعبير اخر (اهل الخبرة) او (المجتهد الجامع للشرائط ) والذي يقرب هذا المعنى انهم بالفعل كانوا يحسنون الظن بآبائهم ولا يرونهم جهلة بل يرون المنكِر والمعارض لهم هو الجاهل ويرون آبائهم علماء فكنوا بالآباء عن العلماء فذمهم الله على ذلك أي على اتباع العالم في اصول الدين وهو بيت القصيد أي أن الذم صُب على ما عملوه وما بنوا عليه وهو اتباع الاباء بما انهم يرونهم علماء فأدت الآية أنه في اصول الدين لا يحق لكم ذلك لكن هذا الوجه في غاية الضعف صغرى وكبرى,اما صغرى فليس الامر كذلك ,نعم بعض العوام والكفار والجاهليين كانوا يرون ان آبائهم علماء ولكن كثيراً منهم ليس كذلك فإن الكثيرين يعرفون أن اباءهم جهلاء ولكن مع ذلك يتبعونهم كما في العشائر الان حيث الابن يعرف أن اباه جاهل مثله ويعرف انه ظالم لكن مع ذلك يطيعه ويتشبث به ويدافع عنه حتى الموت واما كبرى فنقول لو فرض ذلك فالجواب الجواب وان الله سبحانه وتعالى نقل المحور في الرد والاخذ للعلم والجهل وأنه حيث كان جاهلا فلا تتبعه مع ضميمة التشخيص المصداقي وهو انه جاهل (اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) هذه هي الطائفة الثانية من الايات والجواب الاول عنها وخلاصته ان الاباء موضوع لعدم صحة الاتباع وهذا الموضوع اجنبي عن مسألة صحة اتباع اهل الخبرة او العالم العادل او المجتهد الجامع للشرائط فالايات اجنبية عن المدعى
اما الجواب الثاني فهو ما ذكره صاحب القوانين وهو الجواب الوحيد له عن هذه الشبهة ولنا عليه تأمل إذ يقول:اكثر الايات واردة في الكفار المعاندين الذين ظهر عليهم الحق ,اذن فهي اجنبية عن المقام (هل يجوز للعامي ان يقلد في اصول الدين المجتهد العادل الجامع للشرائط) إذ ليس كلامنا في العامي الذي قطع ان هذا المجتهد كاذب وانه مخالف للحق
وسيأتي ذكر عبارته والاجابة عنها بثلاث اجوبة ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الاثنين 22 شوال 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |