129-مناقشة في اشتراط القدر المشترك من القصد واللابشرط في حجية التواتر والإجماع
الأثنين 13 ربيع الاول 1444





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(129)
الشيخ: الإتفاق ليس حجة إذ قد يكون كلٌّ منهم مخطئاً
وقال الشيخ ((قدس سره)): (لكن مجرّدُ قول كل من العلماء بحجية طريق خاص - حيث ما أدى إليه نظره - لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة، لجواز خطأ كل واحد فيما أدى إليه نظره.
واختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك، إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك، نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة، فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك، إلا إذا علم من أخبارهم كون الإختلاف راجعا إلى التعيين، وقد حقق ذلك في باب التواتر الإجمالي والإجماع المركب)([1]).
توضيح وإضافات
وتفصيل المطلب وتوضيحه والمناقشة فيه في ضمن مطالب:
المطلب الأول: أن الإجماع بسيط، ومركب، كما أنه قولي وعملي.
المطلب الثاني: أن التواتر لفظي ومعنوي أو مضموني وإجمالي.
اشتراط شروط ثلاثة في حجية الإجماع والتواتر
المطلب الثالث: أنه قد يشترط في حجية كل واحد منها:
أ- أن يكون لمعقد الإجماع والخبر المتواتر قدر مشترك أو جامع أو لازم ينصب اتفاق الـمُجمِعين والمخبرين عليه، وهذا هو ما بنى عليه الشيخ وقد سبقت عبارته.
ب- أن يكون ذلك القدر المشترك أو اللازم، مقصوداً للمجمعين أو المخبرين، دون ما إذا لم يكن مقصوداً، فهما شرطان: وجود القدر المشترك، وقصد المخبرين له، وهذا هو ما بنى عليه الشيخ التبريزي في أوثق الوسائل إذ قال: (وهذا نظير ما اشترط في المتواتر المعنوي من اعتبار كون المخبرين بصدد الإخبار عن القدر الجامع، لأنّه إذا أخبر ألف نفر كلّ واحد منهم عن قضيّة خاصّة، بأن قال أحدهم: إن عليّاً عليه السلام فعل في الوقعة الفلانة كذا، وأخبر آخر بأنّه فعل في الوقعة الفلانة كذا، وهكذا، فتواتر شجاعته إنّما يلزم لو كانوا في إخبارهم عن هذه الوقائع بصدد الإخبار عن شجاعته أيضاً، بخلاف ما لو كانوا بصدد الإخبار عن خصوص القضيّة من دون قصد إلى الإخبار عن لازمها الّذي هي الشّجاعة)([2]) ولعل عبارة الشيخ السابقة يمكن حملها على ذلك.
ج- أن يكون إخبار كل منهم عن خصوصيةِ ما أخبر به بنحوِ لا بشرط عن الخصوصيات الأخرى التي أخبر عنها الآخرون أو أجمعوا عليها، دون ما إذا كان بنحو بشرط لا؛ إذ يعود حينئذٍ إلى تكاذبهم، فلا يكون أي منها، مع تعارضها، حجة علينا.
ويمكن التمثيل للخبر المتواتر الذي لم يتفق ناقلوه على القدر المشترك، والذي لم يقصدوه، والذي هو بشرط لا، بما إذا أخبر أحدهم بأن زيداً مديون لعمرو بكتاب وأخبر آخر بأنه مديون له بثياب وثالث بأنه مديون له بسِوار ورابع أنه مديون له بخِمار.. وهكذا.. فإنهم تارة يكونون مخبرين عن جامع وقدر مشترك وهو أنه مديون لعمرو بـ(المالية) و(الروح السارية) أو فقل: بما يعادل ديناراً ولكن اختلفوا في التفاصيل إذ يرى الأول أن هذه المالية متمصدقة في الكتاب والآخر أنها متشخصة في الثياب وهكذا، والحاصل اتفاقهم على الكلي والجامع واختلافهم في الجزئي والفرد.
وأما الشرط لائية أو عكسها، فانهم تارة يكونون قاصدين للابشرطية بأن يكون إخبار أحدهم بأنه مديون بكتاب مما لا يقصد منه تكذيب الآخر الذي يقول بالثياب، بمعنى أنه قاطع بالجامع ومستظهر للجزئي لكنه لا يأبى أن يكون الجامع متمصدقاً بجزئي آخر هو الذي أخبر عنه صاحبه، وأخرى يكونون قاصدين للبشرط لائية الذي مرجعه إلى تكذيب أحدهم الآخر في الجزئي الذي حدده بأن يقول: إنه مديون بكتاب ولا غير وليس مديوناً له بسِوار أبداً.
وأما القصد فإنهم تارة يقصدون اللازم وأخرى لا يقصدونه، فلو أخبر شخص بقتل زيد أسداً وأخبر آخر بأنه قتل ثعباناً وأخبر ثالث بأنه قتل بطلاً في المعركة وهكذا.. فتارة يقصدون اللازم وهو الشجاعة وتارة لا يقصدون بل يكون كل منهم قاصداً مجرد قتل زيد لكذا، أما الشجاعة فقد لا يكون المخبر ملاحِظاً لها بل قد يكون نافياً لها بأن يقول إن زيداً قتل أسداً لكنه لا يكشف عن شجاعته لأنه قتله خطأ، كما لو كانت يده على الزِّناد فرأى أسداً فتشنجت أصبعه على الزِّناد فضغطها فقتله.. وهكذا.
والحاصل: إن ههنا تفصيلات ثلاثة:
1- أن الخبر المتواتر لو كان له قدر مشترك فهو حجة فيه، دون غيره.
2- أن المخبرين لو قصدوا القدر المشترك أو اللازم فهو حجة، دون ما لم يقصدوا.
3- أنهم لو اخبروا بنحو اللابشرط فهو حجة في الجامع دون ما لو لم يخبروا إلا بنحو البشرط لا.
المختار: عدم اشتراط أي شرط
المطلب الرابع: إن المستظهر هو أن التواتر حجة، وكذا الإتفاق، من دون الشروط الثلاثة، أما الإتفاق والإجماع فلما سبق من أن وجه حجيته إما قاعدة اللطف أو الحدس، وكلاهما يفيد الحجية مطلقاً، لكون الحكم حينئذٍ، بحسب الناتج الإسم مصدري، ممضىً للإمام ((عليه السلام))، مهما كان وجهه ومهما كان رأي المجمعين أو مرمى نظرهم.
وأما التواتر فلوجهين:
أولهما: وجود قياس خفي يستبطن الإذعان بالكبرى الكلية التي تقول: (إن الصدفة لا تكون غالبية ولا أكثرية) وهذا هو الذي طرحه أبو علي بن سينا في الإشارات والتنبيهات وأكده نصير الدين الطوسي والقطب الرازي.
ثانيها: الإذعان بحساب الإحتمالات، وهذا هو الذي طرحه جمع تميّز من بينهم بتنقيحه الشهيد الصدر، وسيأتي بإذن الله تعالى تفصيل الكلام فانتظر.
ولا بأس أخيراً بنقل بعض الشروح لعبارة الشيخ، قال السيد الوالد في الوصائل: ("و" عليه : فـ"اختلاف الفتاوى في الخصوصيّات، لا يكشف عن تحقّق القدر المشترك" بين الجميع بأن يريد كلّهم القدر المشترك وإنّما اختلفوا في المصداق([3]) "إلّا اذا كان اختلافهم راجعاً الى التعيين" للمصداق "على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك([4])" فهو "نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة ، فإنّها لا توجب تواتر القدر المشترك" بين الجميع "إلّا اذا علم من أخبارهم كون الإختلاف راجعاً الى التعيين" للمصداق)([5]).
وقال: ("لجواز خطأ كل واحد" من العلماء "فيما أدّى إليه نظره" فمن أين يقولون بالقدر المشترك؟. مثلاً: إذا قال عبد: إنّ مولاي يريد كتاب الكفاية، وقال عبد آخر: إنّه يريد كتاب الرّسائل، وقال عبد ثالث: إنّه يريد كتاب المكاسب. فإن هذا يتصور على قسمين:
القسم الأوّل: أنّ كلّهم يقولون: بأنّ المولى أراد كتاباً، لكنّهم اختلفوا في المصداق.
القسم الثاني: أنّ العبد الأوّل يقول: إنّ المولى اذا لم يرد الكفاية لا يريد كتاباً آخر، وهكذا يقول كلّ واحد من العبدين الآخرين، فإنّ الاتفاق على القدر المشترك إنّما يصح على التقدير الأوّل دون التقدير الثاني)([6]).
وقال: (مثلاً: جماعة كلهم يريدون بيان شجاعة علي عليه السلام، لكن أحدهم يقول: إنّ الشجاعة تحققت في ضمن غزوة بدر، والثاني يقول: إنّ الشّجاعة تحقّقت ضمن حرب اُحد ، والثالث يقول: إنّ الشجاعة تحقّقت في ضمن فتح خيبر، فإنّه يحصل تواتر إجمالي بأنّه عليه السلام شجاع.
أمّا اذا قال أحدهم: إنّ زيدا قتل إنساناً وأنّه لم يفعل غير ذلك إطلاقاً([7])، وقال الثاني: إنّ زيدا قتل سبعاً ولم يفعل غير ذلك إطلاقاً، وقال الثالث: إنّه قتل حيّة ولم يفعل غير ذلك إطلاقاً، فاذا سألوا: هل أنّ زيدا شجاع؟ أجابوا: بأنّه لا نعلم لاحتمال أنّه جبان لكنه قتل شيئاً من باب القضية الإتفاقية، فإن هذه الأخبار لا توجب التواتر الإجمالي على شجاعة زيد.
وكذلك الحال في الإجماع المركب، فإنّهم قد يتفقون على الجامع، لكن كلّ في ضمن خصوصيّة، وهذا يوجب الإجماع المركّب الذي لا تجوز مخالفته)([8]).
صلى الله على محمد وآله الطاهرين
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ((صلى الله عليه و اله وسلم )): ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ رِجَالِكُمْ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ خَيْرِ رِجَالِكُمُ: التَّقِيَّ النَّقِيَّ السَّمْحَ الْكَفَّيْنِ، النَّقِيَّ الطَّرَفَيْنِ، الْبَرَّ بِوَالِدَيْهِ، وَلَا يُلْجِئُ عِيَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ)) (الكافي: ج2 ص57)
--------------------------
([1]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص442.
([2]) الميرزا موسى التبريزي، أوثق الوسائل في شرح الرسائل، منشورات كتبي نجفي ـ قم: ج1 ص212.
([3]) والجزئي أو الفرد.
([4]) وهو الكلي والجامع.
([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص83.
([6]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص82-83.
([7]) فهذه هي البشرط لائية.
([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص84.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(129)
وقال الشيخ ((قدس سره)): (لكن مجرّدُ قول كل من العلماء بحجية طريق خاص - حيث ما أدى إليه نظره - لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة، لجواز خطأ كل واحد فيما أدى إليه نظره.
واختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك، إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك، نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة، فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك، إلا إذا علم من أخبارهم كون الإختلاف راجعا إلى التعيين، وقد حقق ذلك في باب التواتر الإجمالي والإجماع المركب)([1]).
توضيح وإضافات
وتفصيل المطلب وتوضيحه والمناقشة فيه في ضمن مطالب:
المطلب الأول: أن الإجماع بسيط، ومركب، كما أنه قولي وعملي.
المطلب الثاني: أن التواتر لفظي ومعنوي أو مضموني وإجمالي.
اشتراط شروط ثلاثة في حجية الإجماع والتواتر
المطلب الثالث: أنه قد يشترط في حجية كل واحد منها:
أ- أن يكون لمعقد الإجماع والخبر المتواتر قدر مشترك أو جامع أو لازم ينصب اتفاق الـمُجمِعين والمخبرين عليه، وهذا هو ما بنى عليه الشيخ وقد سبقت عبارته.
ب- أن يكون ذلك القدر المشترك أو اللازم، مقصوداً للمجمعين أو المخبرين، دون ما إذا لم يكن مقصوداً، فهما شرطان: وجود القدر المشترك، وقصد المخبرين له، وهذا هو ما بنى عليه الشيخ التبريزي في أوثق الوسائل إذ قال: (وهذا نظير ما اشترط في المتواتر المعنوي من اعتبار كون المخبرين بصدد الإخبار عن القدر الجامع، لأنّه إذا أخبر ألف نفر كلّ واحد منهم عن قضيّة خاصّة، بأن قال أحدهم: إن عليّاً عليه السلام فعل في الوقعة الفلانة كذا، وأخبر آخر بأنّه فعل في الوقعة الفلانة كذا، وهكذا، فتواتر شجاعته إنّما يلزم لو كانوا في إخبارهم عن هذه الوقائع بصدد الإخبار عن شجاعته أيضاً، بخلاف ما لو كانوا بصدد الإخبار عن خصوص القضيّة من دون قصد إلى الإخبار عن لازمها الّذي هي الشّجاعة)([2]) ولعل عبارة الشيخ السابقة يمكن حملها على ذلك.
ج- أن يكون إخبار كل منهم عن خصوصيةِ ما أخبر به بنحوِ لا بشرط عن الخصوصيات الأخرى التي أخبر عنها الآخرون أو أجمعوا عليها، دون ما إذا كان بنحو بشرط لا؛ إذ يعود حينئذٍ إلى تكاذبهم، فلا يكون أي منها، مع تعارضها، حجة علينا.
ويمكن التمثيل للخبر المتواتر الذي لم يتفق ناقلوه على القدر المشترك، والذي لم يقصدوه، والذي هو بشرط لا، بما إذا أخبر أحدهم بأن زيداً مديون لعمرو بكتاب وأخبر آخر بأنه مديون له بثياب وثالث بأنه مديون له بسِوار ورابع أنه مديون له بخِمار.. وهكذا.. فإنهم تارة يكونون مخبرين عن جامع وقدر مشترك وهو أنه مديون لعمرو بـ(المالية) و(الروح السارية) أو فقل: بما يعادل ديناراً ولكن اختلفوا في التفاصيل إذ يرى الأول أن هذه المالية متمصدقة في الكتاب والآخر أنها متشخصة في الثياب وهكذا، والحاصل اتفاقهم على الكلي والجامع واختلافهم في الجزئي والفرد.
وأما الشرط لائية أو عكسها، فانهم تارة يكونون قاصدين للابشرطية بأن يكون إخبار أحدهم بأنه مديون بكتاب مما لا يقصد منه تكذيب الآخر الذي يقول بالثياب، بمعنى أنه قاطع بالجامع ومستظهر للجزئي لكنه لا يأبى أن يكون الجامع متمصدقاً بجزئي آخر هو الذي أخبر عنه صاحبه، وأخرى يكونون قاصدين للبشرط لائية الذي مرجعه إلى تكذيب أحدهم الآخر في الجزئي الذي حدده بأن يقول: إنه مديون بكتاب ولا غير وليس مديوناً له بسِوار أبداً.
وأما القصد فإنهم تارة يقصدون اللازم وأخرى لا يقصدونه، فلو أخبر شخص بقتل زيد أسداً وأخبر آخر بأنه قتل ثعباناً وأخبر ثالث بأنه قتل بطلاً في المعركة وهكذا.. فتارة يقصدون اللازم وهو الشجاعة وتارة لا يقصدون بل يكون كل منهم قاصداً مجرد قتل زيد لكذا، أما الشجاعة فقد لا يكون المخبر ملاحِظاً لها بل قد يكون نافياً لها بأن يقول إن زيداً قتل أسداً لكنه لا يكشف عن شجاعته لأنه قتله خطأ، كما لو كانت يده على الزِّناد فرأى أسداً فتشنجت أصبعه على الزِّناد فضغطها فقتله.. وهكذا.
والحاصل: إن ههنا تفصيلات ثلاثة:
1- أن الخبر المتواتر لو كان له قدر مشترك فهو حجة فيه، دون غيره.
2- أن المخبرين لو قصدوا القدر المشترك أو اللازم فهو حجة، دون ما لم يقصدوا.
3- أنهم لو اخبروا بنحو اللابشرط فهو حجة في الجامع دون ما لو لم يخبروا إلا بنحو البشرط لا.
المختار: عدم اشتراط أي شرط
المطلب الرابع: إن المستظهر هو أن التواتر حجة، وكذا الإتفاق، من دون الشروط الثلاثة، أما الإتفاق والإجماع فلما سبق من أن وجه حجيته إما قاعدة اللطف أو الحدس، وكلاهما يفيد الحجية مطلقاً، لكون الحكم حينئذٍ، بحسب الناتج الإسم مصدري، ممضىً للإمام ((عليه السلام))، مهما كان وجهه ومهما كان رأي المجمعين أو مرمى نظرهم.
وأما التواتر فلوجهين:
أولهما: وجود قياس خفي يستبطن الإذعان بالكبرى الكلية التي تقول: (إن الصدفة لا تكون غالبية ولا أكثرية) وهذا هو الذي طرحه أبو علي بن سينا في الإشارات والتنبيهات وأكده نصير الدين الطوسي والقطب الرازي.
ثانيها: الإذعان بحساب الإحتمالات، وهذا هو الذي طرحه جمع تميّز من بينهم بتنقيحه الشهيد الصدر، وسيأتي بإذن الله تعالى تفصيل الكلام فانتظر.
ولا بأس أخيراً بنقل بعض الشروح لعبارة الشيخ، قال السيد الوالد في الوصائل: ("و" عليه : فـ"اختلاف الفتاوى في الخصوصيّات، لا يكشف عن تحقّق القدر المشترك" بين الجميع بأن يريد كلّهم القدر المشترك وإنّما اختلفوا في المصداق([3]) "إلّا اذا كان اختلافهم راجعاً الى التعيين" للمصداق "على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك([4])" فهو "نظير الأخبار المختلفة في الوقائع المختلفة ، فإنّها لا توجب تواتر القدر المشترك" بين الجميع "إلّا اذا علم من أخبارهم كون الإختلاف راجعاً الى التعيين" للمصداق)([5]).
وقال: ("لجواز خطأ كل واحد" من العلماء "فيما أدّى إليه نظره" فمن أين يقولون بالقدر المشترك؟. مثلاً: إذا قال عبد: إنّ مولاي يريد كتاب الكفاية، وقال عبد آخر: إنّه يريد كتاب الرّسائل، وقال عبد ثالث: إنّه يريد كتاب المكاسب. فإن هذا يتصور على قسمين:
القسم الأوّل: أنّ كلّهم يقولون: بأنّ المولى أراد كتاباً، لكنّهم اختلفوا في المصداق.
القسم الثاني: أنّ العبد الأوّل يقول: إنّ المولى اذا لم يرد الكفاية لا يريد كتاباً آخر، وهكذا يقول كلّ واحد من العبدين الآخرين، فإنّ الاتفاق على القدر المشترك إنّما يصح على التقدير الأوّل دون التقدير الثاني)([6]).
وقال: (مثلاً: جماعة كلهم يريدون بيان شجاعة علي عليه السلام، لكن أحدهم يقول: إنّ الشجاعة تحققت في ضمن غزوة بدر، والثاني يقول: إنّ الشّجاعة تحقّقت ضمن حرب اُحد ، والثالث يقول: إنّ الشجاعة تحقّقت في ضمن فتح خيبر، فإنّه يحصل تواتر إجمالي بأنّه عليه السلام شجاع.
أمّا اذا قال أحدهم: إنّ زيدا قتل إنساناً وأنّه لم يفعل غير ذلك إطلاقاً([7])، وقال الثاني: إنّ زيدا قتل سبعاً ولم يفعل غير ذلك إطلاقاً، وقال الثالث: إنّه قتل حيّة ولم يفعل غير ذلك إطلاقاً، فاذا سألوا: هل أنّ زيدا شجاع؟ أجابوا: بأنّه لا نعلم لاحتمال أنّه جبان لكنه قتل شيئاً من باب القضية الإتفاقية، فإن هذه الأخبار لا توجب التواتر الإجمالي على شجاعة زيد.
وكذلك الحال في الإجماع المركب، فإنّهم قد يتفقون على الجامع، لكن كلّ في ضمن خصوصيّة، وهذا يوجب الإجماع المركّب الذي لا تجوز مخالفته)([8]).
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ((صلى الله عليه و اله وسلم )): ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ رِجَالِكُمْ؟ قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ مِنْ خَيْرِ رِجَالِكُمُ: التَّقِيَّ النَّقِيَّ السَّمْحَ الْكَفَّيْنِ، النَّقِيَّ الطَّرَفَيْنِ، الْبَرَّ بِوَالِدَيْهِ، وَلَا يُلْجِئُ عِيَالَهُ إِلَى غَيْرِهِ)) (الكافي: ج2 ص57)
([2]) الميرزا موسى التبريزي، أوثق الوسائل في شرح الرسائل، منشورات كتبي نجفي ـ قم: ج1 ص212.
([3]) والجزئي أو الفرد.
([4]) وهو الكلي والجامع.
([5]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص83.
([6]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص82-83.
([7]) فهذه هي البشرط لائية.
([8]) السيد محمد الحسيني الشيرازي، الوصائل الى الرسائل، مؤسسة عاشوراء ـ قم: ج5 ص84.