173- تتمة فقه الحديث (امر هداني الله له) والاحتمالات الثلاثة ، والتحقيق ـ الاشكال بان بعض الرواة مشترك
الاحد 5 ذي الحجة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث في فقه حديث رواية الكافي عن الإمام الكاظم ع حيث ورد فيها أن الميت المؤمن يقول "هذا أمر هداني الله له وثبتني عليه"
قد سبقت الاشارة إلى أن هذا المقطع من الرواية يمكن أن يستدل به بطريقتين متناقضتين بل بطرق مختلفة، فهناك وجه للاستدلال بها على نفي لزوم إتباع طريق بعينه كالاجتهاد او التقليد و وجه آخر لكونها غير دالة بالمرة على النفي أو الإثبات لعدم تعرض الرواية إلى الطرق، اي انها لا بشرط و ساكتة عن الطريق وقد سبقت الاشارة إلى هذين الوجهين إجمالاً
3- الاستدلال بالرواية على حجية الاجتهاد والتقليد
الوجه الثالث : قد يستدل بهذا المقطع على حجية الاجتهاد والتقليد في أصول الدين وكفاية كل منهما ، عكس الوجهين الأولين
الوجه الثالث : كفاية إتباع أي طريق من الطرق اجتهاداً كان أم تقليدا أم أي طريق عقلائي آخر
وجه الاستدلال: أن الميت -الذي أقره الإمام على قوله، والذي استحق به الجنة -أطلق حيث قال "هذا أمر هداني الله له وثبتني عليه" ولم يقيد بحصول هذه الهداية من طريق خاص فلم يقل "هداني الله عن طريق النظر والاستدلال" مثلاً ولو كان لهذا القيد مقومية -كما عليه المشهور -للزم أن يقيد بعبارة أخرى: لو كانت هنالك حيثية تقييدية لهذا الإيمان بأن يتقيد بان يكون عن خصوص طريق من الطرق لكان عليه صلوات الله عليه، أن يُنبّه و يلفت، لكنه لم يلفت، فيدل ذلك على العدم
فهذا الإطلاق في الرواية وعدم التعرض لما ادعى انه مقوم للنجاة وقيدٌ لترتب الاثر، دليل على نفي اشتراط طريق بعينه. فينتج ذلك أن مختلف الطرق العقلائية المؤدية إلى الواقع مبرئة للذمة ومنجاة من النار .
وبتعبير آخر: ظاهر الإطلاق أن ما قاله علة تامة للنجاة وليس مقتضياً للنجاة، اي أن كون شخصٍ مهدياً من قبل الله سبحانه وتعالى هو العلة التامة للنجاة من غير اشتراط شرط او قيد في البين، ويدل عليه: ان ما ينقله الإمام مما حدث خارجاً هو أن الملائكة رتبوا على صرف هذا المبنى وهذا البناء، رتبوا عليه النتيجة من طمأنته بـ(نم نومة العروس) ثم فتح باب له إلى الجنة.
و التحقيق هو أن هنا مسائل أربعة ينبغي أن تلاحظ لكي يتضح الحال في هذا الدليل وما هي حدود دلالته
1- الوصول للواقع مقتضٍ أو علة للنجاة؟
المسألة الأولى: هل الوصول إلى الواقع بهداية الله سبحانه وتعالى، منجاة بنحو الاقتضاء أو بنحو العلة التامة ؟ فإن كليهما ممكن ويتضح ذلك بالاشارة الى رواية الإمام الرضا ع حيث يقول "كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي" فهل يراد به الاقتضاء أم يراد به العلية ؟ كلاهما ممكن، لكن ملاحظة تتمة الرواية يظهر أن المراد الاقتضاء، لقوله ع "بشرطها وشروطها" و لايخفي ان المراد بقوله ع "بشروطها وشروطها" المعنى الأعم للشرط أي المقوم لا المعنى الأخص الذي هو (التزام في التزام) اذ الشرط الأصولي معناه التزام في التزام فلا ينتفي هذا بانتفاء هذا ، لكن الشرط هنا المراد به المقوم بحيث ينتفي الشيء بانتفائه.
وما نحن فيه من هذا القبيل فعندما يقول الميت المؤمن "أمر هداني الله له وثتبني عليه" يحتمل : أن يراد الاقتضاء كما في "لا إله إلا الله حصني ..." كما تحتمل العلية فلابد من استنطاق سائر النصوص حتى يظهر انه من اي نحو.
2- هل الاجتهاد مقوِّم؟
المسألة الثانية: هل أُخِذ طريق خاص – أي الاجتهاد –مقوّماً لكون الوصول إلى الواقع، منجاة – كما ذهب إليه المشهور - ام لا؟ فإنه إذا ثبت أن الاجتهاد مقوم ففي المسالة الأولى يكون الوصول إلى الواقع مقتضيا للنجاة فقط، لكن إذا نفينا مقومية الاجتهاد والنظر للوصول المنجي فعندئذ قد يثبت أن الوصول إلى الواقع بما هو هو، منجاة بنحو العلية التامة.
3- هل الاجتهاد واجب مستقل؟
المسالة الثالثة: هل الطريق الخاص اي الاجتهاد واجب مستقل ام لا؟ أشار الشيخ الطوسي في العدة إلى أنه واجب استقلالي، فلو لم يقم به استحق – مبدئياً-العقاب وإن كان بمنجاة من النار لأنه آمن و وصل
لكن هذه الرواية ساكتة عن هذه المسألة، ولا تدل على أكثر من أنه ليس من أهل النار من هذه الجهة ولكنها لا تتطرق إلى استحقاقه العقاب على ترك النظر باعتباره واجباً مستقلاً وعدمه
4- ما هي الحجة في عالم الإثبات؟المسألة الرابعة ننتقل الى عالم الإثبات، فإنه في تلك المسائل الثلاثة وإن كانت هناك إشارات لعالم الإثبات، في ضمن عالم الثبوت الذي تطرقنا له، لتداخلهما لأن طريقنا للثبوت هو الإثبات لا غير، إلا أنه يستدعي افراد مسألة له.
المسألة الرابعة: هي انه لو فرض انه في مرحلة الثبوت يكون الوصول للواقع بنحو العلية التامة منجاة، كأقوى فرض يمكن أن نلتزم به في مرحلة الثبوت في المسألة، لكن نسأل: في عالم الإثبات ما هو الحجة و ما هو المعذّر الذي يتمسك به المكلف؟
وهذا هو ما يحتاج إلى دليل؛ فان الرواية واردة في أمر ثبوتي فقول الميت: "هذا أمر هداني الله له" وَرَدَ بعد انكشاف الحقيقة والهداية، لكن في عالم الدنيا من أين يحرز ان الذي وصل إليه هو الذي هداه الله إليه فلعله من صنع الوهم او لعله شرك الشيطان؟ فصرف كون الوصول للواقع وهداية الله له، منجاة، ثبوتاً لا يجدي نفعاً في عالم الإثبات، في وجود معذّر للأحياء.
بتعبير آخر : المحمول الذي هو (النجاة) رتب على الواقع الثبوتي للهداية، إذ الفرض هو أن هناك، حيث تنكشف الحجب، فإن الرؤية مطابقة للِواقع بدون كلام، فرتبت النجاة على الثبوت والواقع.
لكن في عالم الدنيا، من أين إثبات ان هذا الموضوع هو هو، أي هو تلك الهداية الإلهية الواقعية التي تترتب عليها النجاة؟، اذ الكل يدعي – وكثير منهم عن اقتناع - الوصول الى الحقيقة وان معتقَدَهُ هوما هداه الله له. هذه المسألة الرابعة هي المحورية في الكلام
وبذلك يظهر ان هذه الرواية لا تجدينا في مقام الاحتجاج؛ اذ انها تتحدث عن موضوع ثبوتي رتب عليه محمول اي المنجاة، لكن في عالم الاثبات من أين يعلم بان هذا الموضوع الثبوتي قد ناله الانسان؟، إذن لا بد من البحث عن الطرق الموصلة التي اعتبرها الله تعالى حجة اي معذرة منجزة، وهذه الرواية الرواية ساكتة عن بيان هذه الطرق وانما تشير الى عالم الثبوت وإلى النتيجة فقط ،
وبهذا البيان يثبت الوجه الثاني الذي سبق وهو حيادية هذه الرواية من حيث الإشارة إلى حجية طريق دون طريق آخر.
اللهم إلا أن يتمسك بإطلاقها كما أشرنا، لكن دعوى الإطلاق تحتاج إلى إثبات أن المولى كان في مقام البيان من هذه الجهة و لا يعلم أن الإمام كان في مقام بيان الطرق إيجاباً أو سلباً، اذ الإمام ع في بيان مقام أصل تقابل الكافر و المؤمن وانه يسأل الكافر فيجيب بالصواب لكنه يضرب بمرزبة حيث قال "سمعت الناس يقولون فقلته" أما المؤمن فلا اذ قال "هذا أمر هداني الله له" وعلى هذا فينبغي إحراز ذلك كي يستدل بهذه الرواية على حجية الطرق العقلائية الذي هو مفاد الوجه الثالث
بل نترقى فنقول انه لو أحرزنا كونها في مقام البيان من هذه الجهة، مع ذلك يلزم البحث عن المعارض و المخصص و المقيد، والمشهور ذهبوا إلى وجود المعارض و المقيد
انتفاء بعض مقدمات الحكمة في الرواية:
مزيد توضيح : اطلاق الرواية يتوقف على مقدمات ثلاث
الاولى : أن يكون المولى في مقام البيان – سلمنا به فرضاً.
الثانية : أن لا يكون هناك قدر متيقن الذي هو هداية الله له عن النظر والاجتهاد، وقد يقال بوجوده. فتأمل
الثالثة: عدم وجود المعارض .
المشهور ارتأوا وجود المعارض وقد ذكرنا بعض أدلتهم وسيأتي بعضها الآخر، فعليه فإن صِرف الوصول إلى الواقع من غير طريق الاجتهاد لا يجدي عندهم نفعاً.
إذن لا بد من بحث تلك الأدلة فإن نفينا دلالتها على اشتراط طريق بعينه، فعندئذ فإن هذه الرواية بمعونة الفحص وثبوت عدم مقيّد من سائر الروايات، يقودنا إلى إحالة الشارع عبيده على الطرق العقلائية
والحاصل : مجموع هذه الرواية بإطلاقها وبدعوى كونها في مقام البيان وبملاحظة سائر الروايات وعدم وجود مقيد بكونه عن طريق خاص، يقودنا إلى أن الشارع حيث سكت عن طريق بعينه، فقد أحال إلى الطرق العقلائية، فعلينا أن نستنطق العقلاء عندئذ فيجب أن نرجع إلى الطرق العقلائية، دون غيرها.
وعندئذٍ لا بد أن نتوقف في (الصغرى) وانه هل التقليد طريق عقلائي في أصول الدين؟ علينا ان نستنطق العقل ونستنطق العقلاء، إذاً رجعنا إلى المبحث الأول، وهذه الرواية لم تفدنا شيئاً إضافياً من هذه الجهة، فتأمل
وقد اختصرنا الكلام حول هذا البحث لحصره في خصوص ما يتعلق بمبحثنا الأصولي ومبحث الحجية، لكن مبحث (الهداية) يحتاج في زاويته الكلامية-وهو الاساس- يحتاج إلى مجال واسع من الحديث و والوقت، فتدبروا به جيداً.
إشكالان آخران في الرواية:
إشكال سندي من جهتين : الإشكال الأول : السند يحتوي على شخصين مشتركين، الاول : "محمد بن يحيى" فهو مشترك بين الثقة وغير الثقة، والكليني لم يحدد من هو "محمد بن يحيى" هل هو "العطار" أو غيره، وهذا الاسم وقع في مائتين وواحد وخمسين رواية.
الثاني : أحمد بن محمد مشترك ايضا، وهذا الاسم ورد في سبعة آلاف ومائة وأربعة وستين رواية
وسياتي الجواب ان شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...
الاحد 5 ذي الحجة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |