188- تتمة : المرجع هو البراءة اذ المورد من مصاديق تردد الموضوع بين الاقل والاكثر ـ اشكال : مرجع ضمير الرواية بعض الايات ، فمن اين التعميم ؟ الجواب : لالغاء الخصوصية ، او لتنقيح المناط او لعضدها بآيات التدبر و.....
الأربعاء 20 محرم الحرام 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول ان التدبر المأمور فيه في الرواية وفي الآيات يدور امره في نسبته مع التفكر بين ان تكون النسبة هي التباين او التساوي او العموم والخصوص المطلق, وذكرنا انه لو لم يحرز الفقيه انه من اية صورة من هذه الصور الثلاث فما هو المرجع؟
الصور الأربع للشبهة المفهومية
وقد سبق انه لو تردد موضوع التكليف, اي المأمور به، بنحو الشبهة المفهومية, فان لذلك مبدئيا صورا اربعة:
الصورة الاولى: ان يدور امر المفهوم المردد بين متباينين لعدم العلم بالوضع.
الصورة الثانية: ان يدور امر المفهوم المرددبين المتباينين لا لعدم العلم بالوضع، بل لأن الوضع كان على نحو الاشتراك اللفظي.
الصورة الثالثة: ان يكون الدوران بين مفهومين النسبة بينهما العموم من وجه، وقد سبق بيان هذه الصور مع امثلتها.
الصورة الرابعة: ان تكون النسبة بين المفهومين المردد تعلق التكليف بينهما هي العموم والخصوص المطلق, ومثاله العدالة فلو قال المولى اكرم العادل وحدثت شبهة في متعلق التكليف نظرا للشبهة في سعة او ضيق مفهوم العدالة؛ فهل العدالة هي الملكة، هذا قول ولعله المشهور او مجرد الاستقامة على جادة الشريعة,سواءا اكانت الاستقامة عن ملكة ام لم تكن عن ملكة,فهنا الشبهة مفهومية فاذا لم يحرز الفقيه اي معنى من المعاني هو الموضوع له لغة او هو الموضوع له شرعا بالوضع التعييني او التعيني، فالمجرى هنا مجرى البراءة عن الزائد،لأن العادل المجتنبللمعاصي عن ملكة هو القدر المتيقن، اما الاكثر فمشكوك تعلق الامر به فنجري البراءة، مثال اخر لو ترددنا بنحو الشبهة المفهومية في اخذ تجنب منافيات المروة في مفهوم العدالة،، كالأكل والركضفي الشارع مثلاً، بالنسبة للعام والوجيه ونظائرهما، فلو ترددنا في ذلك فان المجرى مجرى البراءة فالقدر المتيقن شمول الحكم له هو المتجنب حتى لمنافيات المروة.
حكم الشبهة المفهومية في (التدبر)
اما في المقام فرغم ان امر التدبر منسوبا إلى التفكريدور بين احدى النسب الثلاث, إلا ان الاحتمالات الاول والثاني والثالث منتفية؛ انما المتعين هو الاحتمال الرابع, اي ان المورد هو من موارد دوران الامر بين الاعم والاخص مطلقا لدى الشبهة المفهومية في المراد من التدبر.
لكن لماذا؟ مع ان المحتملات اربعة وقد ذهب إلى بعضها بعض الاعاظم كالشيخ الطوسي إذ صار إلى ان النسبة هي التباين؟
نقول:حتى لو قبلنا ان النسبة هي التباين، لكن يبقى المورد من موارد الصورة الرابعة موضوعا او حكما، توضيح ذلك:
ان (التدبر) لو لوحظ بما هو هو عنوان فان النسبة بينه وبين التفكر هي احدى النسب الثلاثة, لكن التدبر بلحاظ كونه متعلَّقا للأمر ليس الا من قبيل الصورة الرابعة موضوعا او حكما، لأنا لو قلنا ان التدبراخص مطلقا من التفكر كما انتخبناه فالأمر واضح، إذ التدبر يراد به التفكر بالعواقب والتفكر يراد به مختلف تصرفات القلب في شتى ما يرتبط بالحركة الفكرية,سواءاأكانت حركة إلى الدلائل ام إلى النتائج والعواقب ام إلى الاعماق ام غير ذلك كما سبق, فعلى هذا فالأمر واضحإذ المأمور به سيكون القدر المتيقن منه وهو النظر في العواقب فلا تكون هذه الرواية ونظائرها دليلا على وجوب الاجتهاد في اصول الدين، وهو بيت القصيد، هذا لو انتخبنا هذا الرأي.
لكن لو قلنا ان النسبة هي التباين بين التفكر والتدبر فالأمر كذلك حكما لا موضوعا,لأن الفرض ان التدبر مفهومه محدد وهو النظر في العواقب وهو موضوع الامر فهو واجب، والحكم لا يسري من العنوان إلى قسيمه؛ فليس التفكر الذي هو القسيم واجباً بلحاظ هذه الآيات والروايات مع قطع النظر عن الآيات والروايات ,اذن الحكم تعلق بعنوان هو التدبر وهذا العنوان قسيم بحسب الفرض ومباين لعنوان اخر وهو التفكر والوجوب تعلق بالعنوان الاول فمن اين تسريته للعنوان المباين؟، لا دليل على ذلك، الا ان يتمسك بتنقيح المناط، فيُناقش بذاك النقاش المطول, وان تنقيح المناط هل يجري بشكل عام ام ان موارده نادرة جدا وهي فيما لو احرزت الاولوية القطعية, باعتبار ان ملاكات الاحكام غالبا مجهولة، أي تلك الملاكات التي هي بمنزلة العلة التامة لا تلك التي بمنزلة الحكمة التي لا تدور الاحكام مدارها,اذن حتى لو قلنا ان النسبة هي التباين فالمجرى هو البراءة عن وجوب النظر في الدلائل المرادف للتفكر حسب هذا الرأي,وهو المطلوب,اذن على كل التقادير فالمجرى هو البراءة عن وجوب التفكر بمعنى النظر والاجتهاد.
الاشكال بان مرجع ضمير الرواية خاص
البحث الاخير في هذا السياق:هو ان الاستدلال بهذه الرواية قد يستشكل عليه بان الرواية مرجع ضميرها آيات خاصة في القران الكريم فمن اين التعميم؟إذ الرواية تقول(ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها) فـ(لاكها) اي هذه الآيات(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)فمرجع الضمير خاص فمن اين التعميم.؟والمدعى وجوبه هو الاجتهاد في كل اصول الدين, استناداً إلى هذه الرواية ونظائرها؟
الجواب: التعميم لأحد وجوه أربعة
يمكن الجواب باحد وجوه دفاعا عن من يقول بالتعميم:
الوجه الاول: ان يقال بإلغاء الخصوصية بدعوى انه لا خصوصية لهذه الآيات تنفرد بها عن الآيات القرآنية الاخرى. بل ان هذه الآيات ذكرت من باب المورد والمصداق وليس من باب الخصوصية والموضوعية.
القول بعدم الفصل ودلالته
الوجه الثاني:ان يقال بعدم القول بالفصل، اذ لم يقل احد بالفصل بين الآيات القرآنية الكريمة بان يجب التفكر في بعضها دون البعض الاخر .
الوجه الثالث:القول بعدم الفصل، وان من يقول بالوجوب فيطلق، ومن يقول باللاوجوب فيطلق ايضا.
لكن الوجه الثاني والثالث الظاهر انهما غير واردين هنا؛ لأن هذه المسألة مما لم يتطرق لها الاكثر، والذين تطرقوا لها لعلهم النادر فكيف يقال بعدم القول بالفصل وان الفقهاء طرحوا هذه المسألة ولم يفصلوا او قالوا بعدم الفصل فيها؟.
اذن الاستناد للوجه الثاني والثالث غير تام, اللهم الا ان يقال:ان سكوت الفقهاء عن مثل هذه المسألة المهمة وكثيرة الابتلاء دليل القول بالعدم، إذ ان كل مكلف طوال عمره مبتلى بانه هل يجب عليه التدبر في القران الكريم او لا يجب؟
اي ان كل مكلف مكلف لو ثبت الحكم بحقه لكان عليه ان يتدبر لا مرة بل مرارا، فيمكن ان يقال بان سكوتهم عن هذا الحكم دليل على عدم وجوبه اذ لو كان واجبا لوجب ان يبينوه فحيث لم يبينوا, فيبقى على ما احله الله, اي بقي على اطلاقات البراءة
بل نقول: اننا عندما نلاحظ الروايات نجد ان الروايات الداعية إلى التدبر– وكذا الآيات - لا ترقى إلى مستوى اثبات وجوب هذا الأمر العام الابتلاء
وبتعبير اخر ان هذه القضية مما لو كانت لبانت، لأن وجوب التدبر في القران طوال العمر مرارا عديدة قضية مهمة وليست قضيه هامشية فلو كانتلوجب أن تكون هناك العشرات – أو العديد على الأقل - من الروايات الصحيحة الصريحة الدالة عليها لأن الكلام على خلاف مقتضى القاعدة الاولية التي هي البراءة وحيث لا نجد الا بعض الروايات التي يتأمل في سند بعضها على بعض المباني وقد يتأمل في دلالتها, وان استظهر البعض صحة السند بوجهٍ اوتمامية الدلالة، ولكن من حيث المجموع فانه في مثل هذه القضية العامة الابتلاء لا تكفي رواية او روايتان لاثبات ما هو خلاف الاصل,وهذا الجواب يحتاج للتدبر به.
4- تنقيح المناط
الوجه الرابع:هو تنقيح المناط بمعنى انه عندما نتدبر في مرجع الضمير للآياتالمذكورة في الرواية نجده بعض اصول الدين المهمة، لكنها بالقياس إلى بعض الاصول الاهم منها تعد بالدرجة الثانية، فتنقيح المناط يقودنا إلى وجوب الاجتهاد في اصول الدين مطلقا,لأن هذه الآياتتتحدث عن حكمة الباري وان عمله ليس بلغو ولا عبث(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ)اي ننزهك ان تعبث وتخلق بدون غرض، وان الله حكيم وافعاله معللة بالاغراض، لكن هذا الاصل على اهميته يأتي بعد اصل وجود الله جل وعلا, فاذا وجب التدبر في هذا لوجب في ذاك بطريق اولى وكذلك مثل المعاد(سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)فقد بنت الآيات على وجود نار كما بنت على وجود جنة(وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)و(وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ)اذن الآية من حيث اصول الدين تتطرق لهذين الموضوعين المعاد من جهة وحكمة الله من جهة ثانية, واذا وجب الاجتهاد في هذين لوجب الاجتهاد في سائر اصول الدين مما هو متقدم رتبة عليها بطريق اولى، فليتدبر
العلة الغائية لانزال القرآن هو التدبر
لكن يمكن ان نقوي الاستدلال بالرواية ببعض آيات التدبر حيث يقول تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)مما ظاهره ان العلة الغائية لانزال الكتاب هي ليدبروا آياته, فهل يعقل ان يكون التدبر غير واجب وقد جعل العلة الغائية لانزال الكتاب؟، ويتضح ذلك بملاحظة ان لله تعالى كتابين تكويني وتدويني، اما التكويني فقد ذكر في غايته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)واما التدويني فقد ذكر في غايته(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)فهل يعقل ان يخلق الخلق من جهة وان يشرع لهم شريعته في القران الكريم من جهة اخرى ثم تكون الغاية (العبادة والتدبر) غير واجبة؟ ولو تنزلنا عن ذلك، نقول ان المستفاد عرفا هو ذلك وبقي كلام يترك لتأملكم، وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الأربعاء 20 محرم الحرام 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |