بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الهمداني: يلزم تأسيس فقه جديد وتفكيك الآثار
وقد استدل الفقيه الهمداني (قدس سره) بدليلين آخرين انتصاراً للمشهور ورداً على المحدث الكاشاني الذي قَصَر التنجس على مواضع النص كالثوب والبدن دون سائر الأجسام، فقال: (كيف ولو بني على الاقتصار في حكم كلّ واحدة واحدة من النجاسات على متابعة النصّ الوارد فيها بالخصوص وعدم التخطّي عن مورده بالنسبة إلى سائر النجاسات وسائر الأجسام الملاقية لها، لاستلزم تأسيس فقه جديد، وللزم التفكيك بين آثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب، ضرورة أنّه لم يرد في كلّ واحدة منها بالنسبة إلى كلّ واحد من هذه الأشياء نصّ بالخصوص)[1].
جواب الفقه: ليس الفقه الجديد محذوراً
وأجاب السيد الوالد (قدس سره) في الفقه عن الأول بقوله: (وأما استلزام فقه جديد، فمع أنه استبعاد محض وقد وقع مثله في حكم البئر والمعاطاة وعدم مثبتية الأصول، فلم يستلزم فقهاً جديداً، يرد عليه: أن جعل النجاسات كلها بحكم واحد، حتى أنه لو ورد في الخمر دليل تعدى إلى الكلب الذي لا جامع بينهما عقلاً ولا نقلاً، من أبين أفراد القياس، وهذا الاطراد أوجب[2] طرح بعض الأخبار أو حملها على خلاف ظواهرها، كما أوجب[3] تعدي بعض الأحكام من موضوع إلى موضوع بلا جامع قطعي وملاك معلوم)[4].
وبعبارة أخرى: انّ مصطلح تأسيس فقه جديد لم يرد في الروايات ولا هو من الأدلة الأربعة، وهو دليل خطابي وليس برهانياً، والاستبعاد ليس من الأدلة
التحقيق: الفقه الجديد ممنوع في ثلاث صور لا غير
وتحقيق ذلك: انّ استلزام فقه جديد له أنواع وصور بعضها باطل وبعضها صحيح:
الأولى: أن يكون الفقه الجديد مبنياً على المباني الباطلة كالقياس والاستحسان وسد الذرائع وشبهها، ولا شك في بطلانه، لا لأن عنوانه كونه فقهاً جديداً بل لأن مبناه باطل ولذا يكون الفقه القديم باطلاً أيضاً لو كان مبنياً على القياس.
الثانية: أن يكون الفقه الجديد مبنياً على مباني لم يدل الدليل على صحتها وحجيتها، كمقاصد الشريعة، فإنها حِكَم وليست عللاً فلا يصح القول بدوران الأحكام مدارها ولا يمكن الفتوى بوجوب أمر أو حرمة آخر استناداً إلى مقصد من مقاصد الشريعة وَحْدَه، وقد فصّلنا في كتاب (مقاصد الشريعة ومقاصد المقاصد) ذلك وكيفية الاستفادة من مقاصد الشريعة وحدوده في ستة دوائر كعوامل مساعِدة فقط لا كمنشأ للحكم.
وعليه: فإن الفقه الجديد إذا كان مبنياً على مقاصد الشريعة وحدها، كان باطلاً.
الثالث: أن يخالف الفقه الجديد ضرورياً من ضروريات الدين أو المذهب وحينئذٍ فإن بطلانه إنما هو لمخالفته الضروري، لا بما هو فقه جديد، ومن صور مخالفة الفقه الجديد للضروري:
أ- أن يقال بأن أحكام الشارع واردة مورد القضايا الخارجية لا الحقيقية، فإنه يفتح باب هدم الدين كله، لا في تغيير دية المرأة وإرثها فقط، بل في كل حكم حتى الصلاة؛ إذ قد يقول قائلهم انها إنما شرعت للعرب البدو الذين لم يكونوا يعرفون التأمل الذاتي[5] وأما الآن وحيث عُرِف فهو الواجب لأنه الأفضل في المقربية إلى الله تعالى إذ يستوجب حضور القلب 100%!!
ب- أن يخالف الفقيه جميع الفقهاء أو مشهورهم في غالب الفقه (مثلاً في 80% من مسائله) فإنه باطل لا لأن عنوانه انه فقه جديد بل لأنه مخالف للضرورة المسلمة بأن أغلب الفقه متلقى من الكتاب والسنة.
وأما كلام المحدث الكاشاني والسيد المرتضى (قدس سرهما)، بعدم انفعال سائر الأجسام (بل الصحيح أن كلامهم هنا هو: مزيلية الإزالة للنجاسة، لا عدم الانفعال) فليس واحداً من الأنواع الثلاثة، فلا هو مبني على القياس ولا على مقاصد الشريعة ولا انه يستلزم تغيير أكثر الفقه بل إنما هو خلاف في مسألة واحدة من بين الألوف من مسائله فهو كمخالفة العلامة ثم المشهور في مسألة البئر أو مخالفة المتأخرين في المعاطاة أو مخالفة السيد الوالد والسيد سعيد الحكيم (قدس سرهما) والسيد السيستاني (دام ظله) وبعض آخر من الفقهاء الذين قالوا بطهارة أهل الكتاب[6]، خلافاً لمشهور المتقدمين والمتأخرين، وكمخالفة جمع في صحة بيع الحق، فإنه لا يُهوّل عليهم بانه يستلزم فقهاً جديداً مادام ليس من الصور الثلاثة.
بل الأمر بالعكس أي إن كانَ تهويلٌ فهو للمحدث الكاشاني لا عليه، إذ كلامه على القاعدة وكلام المشهور قد يدعى انه قياس، إذ ان الكاشاني يجمد على موضع النص إذ يقول: لم ترد النصوص بنجاسة الأشجار والأبواب وأدوات الحِدادة بالنجاسات[7] بل وردت في الثوب والبدن (والأواني والفراش والطنفسة والجِص) خاصة، فالتعدي عنها إلى غيرها تنقيح مناط وقياس، اللهم إلا بدعوى عرفية استفادة التعميم منها كما ذكره بعض الفقهاء وسيأتي جوابه غداً بإذن الله تعالى.
وبعبارة أخرى: لو دار الأمر بين محذور التورط في الفقه الجديد وبين محذور القياس، فلا شك ان الهروب من محذور القياس أولى من الهروب من محذور الفقه الجديد، فلئن كان كلام المحدث الكاشاني فقهاً جديداً (وهو الذي لا يوجد دليل على حرمته) فإنه خير من أن يكون قياساً وهو محرم قطعاً (بناءً على عدم صحة توجيه كلام المشهور بما يخرجه عن القياس إلى دعوى الظهور العرفي للنصوص وإن كانت ظاهراً خاصة بمواردها).
جواب الفقه عن لزوم محذور تفكيك آثار النجاسات
وأجاب في الفقه عن الدليل الثاني بقوله: (وأما التفكيك بين آثار النجاسات، فهو شيء يلتزم به الكل، ولذا تراهم يفتون باختلاف حكم الثوب والآنية في التعفير وعدد الغسلات وغيرها، بل يمكن أن يقال: إن الفرق في حكم النجاسة بالنسبة إلى بول الكبير والرضيع، واختلاف كيفية التطهير بالجاري والراكد من الشواهد على أنها من الأصول العرفية التي زاد الشارع ونقص فيها، كالمعاملات.
وكيف كان فما ذكره الكاشاني (رحمه الله)، وحكاه عن السيد ـ وإن أشكل الفقيه الهمداني (رحمه الله) في الحكاية أيضاً ـ قريب احتمالاً، وإن كان الخروج عما فهمه أساطين الفقهاء مشكل جداً، فالاحتياط لا ينبغي تركه قطعاً).)[8]
والحاصل: ان لزوم التفكيك بين آثار النجاسة ليس تالياً باطلاً كي يكون المقدم مثله بل هو تالٍ مسلّم يلتزم به الكل (والمقدَّم هو متابعة النص الوارد في موارده، بخصوصه من دون التعدي إلى سائر الموارد أي سائر النجاسات وسائر الأجسام).
المناقشة: التفكيك نوعان
ولكنّ الظاهر عدم ورود إشكال الفقه عليه؛ إذ التفكيك تفكيكان:
أحدهما: التفكيك بين أحكام النجاسات (وهو ما ذكره الفقه، فإن بول الرضيع بالنسبة إلى ثوب المربية يكفي فيه الغسل مرة واحدة، ولا يكفي ذلك من بول الكبير بل يجب أن يكون الثوب في كل صلاة طاهراً، كما انه خاص بثوب المربية، والبول يغسل بالقليل الراكد مرتين لكنه يغسل بالكر والجاري والمطر مرة.. وهكذا).
الثانية: التفكيك بين أحكام النجاسات بنحو آخر، والظاهر انه هو الذي أراده المحقق الهمداني فلا يرد عليه إشكال الفقه، وهو: التفكيك بين النجاسات بحسب النصوص في المتعلَّق الواحد نفسه[9] بأن يقال مثلاً حيث ورد تنجس الثوب بالبول والكافر والمني نجمد عليه وحيث لم يرد تنجسه بالخنزير أو عرق الجنب من الحرام مثلاً لا نقول به، وهكذا.
وهذا مقصوده إذ لاحظ عبارته مرة أخرى (وللزم التفكيك بين آثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب، ضرورة أنّه لم يرد في كلّ واحدة منها بالنسبة إلى كلّ واحد من هذه الأشياء نصّ بالخصوص)، فكلامه عن خصوص الثوب والبدن والأواني (مما سلم الطرفان بتنجسه) وانه لم يذكر في كل منها تنجسه بكل النجاسات العشرة (أو الأكثر – على الخلاف) لا عن أحكام تطهير هذا واختلافه عن تطهير ذلك.
الجواب عن إشكال الهمداني: انه قياس للأضعف على الأقوى
فالصحيح في الجواب عنه أن يقال: انه (قدس سره) قاس الأضعف على الأقوى، فإن التفكيك في الصورة الأولى التي ذكرها الفقه مما يلتزم به الكل حتى الفقيه الهمداني، كما قاله الفقه، أما التفكيك في الصورة الثانية التي أرادها مصباح الفقيه فلا يقبله أحد حتى المحدث الكاشاني والسيد المرتضى وصاحب الفقه.
والحاصل: انّ التفكيك الثاني مُسلَّم بطلانُهُ لدى الكل بل هو من ضروريات الفقه، عكس التفكيك الأول فإنه مسلَّم لدى الكل صحّتُه، فلا يقاس أحدهما على الآخر، أي لا يصح القول: انه حيث بطل، بالإجماع والضرورة، التفكيك في الثوب وشبهه من حيث منجِّساتها (وحيث قلنا أن كل النجاسات العشرة منجسة له) فإنه يبطل التفكيك بين الثوب وأخواته وبين الأشجار والأحجار والمفاتيح... مع أن الأخير ليس ضرورياً ولا هو مجمع عليه أي ليس ضرورياً بطلان هذا التفكيك، ولا هو مجمع عليه إذ قال به مثل السيد المرتضى والمحدث الكاشاني، فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ تَزُلْ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَمَّا اكْتَسَبَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ)) (تحف العقول: ص56).
أسئلة:
- هل هناك فرق بين القياس وتنقيح المناط القطعي؟
- ابحث عن مقويات لكون تأسيس فقه جديد محذوراً، أو عن مضعّفات.
- هل توجد صورة رابعة لمحذور تأسيس فقه جديد؟.
- اذكر خمس أمثلة للتفكيك بين أحكام النجاسات.
________________
[1] مصباح الفقيه: ج1 ص275.
[2] لعله (قدس سره) يقصد: يوجب.
[3] لعله (قدس سره) يقصد: يوجب.
[4] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة: ج2 ص55.
[5] (Meditation).
[6] وأن نجاستهم عرضية.
[7] أي يقول: لم ترد نصوص بتوقف تطهيرها على الغسل، فتكفي الإزالة العرفية.
[8] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة: ج2 ص55-56.
[9] وهو الثوب.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
الهمداني: يلزم تأسيس فقه جديد وتفكيك الآثار
وقد استدل الفقيه الهمداني (قدس سره) بدليلين آخرين انتصاراً للمشهور ورداً على المحدث الكاشاني الذي قَصَر التنجس على مواضع النص كالثوب والبدن دون سائر الأجسام، فقال: (كيف ولو بني على الاقتصار في حكم كلّ واحدة واحدة من النجاسات على متابعة النصّ الوارد فيها بالخصوص وعدم التخطّي عن مورده بالنسبة إلى سائر النجاسات وسائر الأجسام الملاقية لها، لاستلزم تأسيس فقه جديد، وللزم التفكيك بين آثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب، ضرورة أنّه لم يرد في كلّ واحدة منها بالنسبة إلى كلّ واحد من هذه الأشياء نصّ بالخصوص)[1].
جواب الفقه: ليس الفقه الجديد محذوراً
وأجاب السيد الوالد (قدس سره) في الفقه عن الأول بقوله: (وأما استلزام فقه جديد، فمع أنه استبعاد محض وقد وقع مثله في حكم البئر والمعاطاة وعدم مثبتية الأصول، فلم يستلزم فقهاً جديداً، يرد عليه: أن جعل النجاسات كلها بحكم واحد، حتى أنه لو ورد في الخمر دليل تعدى إلى الكلب الذي لا جامع بينهما عقلاً ولا نقلاً، من أبين أفراد القياس، وهذا الاطراد أوجب[2] طرح بعض الأخبار أو حملها على خلاف ظواهرها، كما أوجب[3] تعدي بعض الأحكام من موضوع إلى موضوع بلا جامع قطعي وملاك معلوم)[4].
وبعبارة أخرى: انّ مصطلح تأسيس فقه جديد لم يرد في الروايات ولا هو من الأدلة الأربعة، وهو دليل خطابي وليس برهانياً، والاستبعاد ليس من الأدلة
التحقيق: الفقه الجديد ممنوع في ثلاث صور لا غير
وتحقيق ذلك: انّ استلزام فقه جديد له أنواع وصور بعضها باطل وبعضها صحيح:
الأولى: أن يكون الفقه الجديد مبنياً على المباني الباطلة كالقياس والاستحسان وسد الذرائع وشبهها، ولا شك في بطلانه، لا لأن عنوانه كونه فقهاً جديداً بل لأن مبناه باطل ولذا يكون الفقه القديم باطلاً أيضاً لو كان مبنياً على القياس.
الثانية: أن يكون الفقه الجديد مبنياً على مباني لم يدل الدليل على صحتها وحجيتها، كمقاصد الشريعة، فإنها حِكَم وليست عللاً فلا يصح القول بدوران الأحكام مدارها ولا يمكن الفتوى بوجوب أمر أو حرمة آخر استناداً إلى مقصد من مقاصد الشريعة وَحْدَه، وقد فصّلنا في كتاب (مقاصد الشريعة ومقاصد المقاصد) ذلك وكيفية الاستفادة من مقاصد الشريعة وحدوده في ستة دوائر كعوامل مساعِدة فقط لا كمنشأ للحكم.
وعليه: فإن الفقه الجديد إذا كان مبنياً على مقاصد الشريعة وحدها، كان باطلاً.
الثالث: أن يخالف الفقه الجديد ضرورياً من ضروريات الدين أو المذهب وحينئذٍ فإن بطلانه إنما هو لمخالفته الضروري، لا بما هو فقه جديد، ومن صور مخالفة الفقه الجديد للضروري:
أ- أن يقال بأن أحكام الشارع واردة مورد القضايا الخارجية لا الحقيقية، فإنه يفتح باب هدم الدين كله، لا في تغيير دية المرأة وإرثها فقط، بل في كل حكم حتى الصلاة؛ إذ قد يقول قائلهم انها إنما شرعت للعرب البدو الذين لم يكونوا يعرفون التأمل الذاتي[5] وأما الآن وحيث عُرِف فهو الواجب لأنه الأفضل في المقربية إلى الله تعالى إذ يستوجب حضور القلب 100%!!
ب- أن يخالف الفقيه جميع الفقهاء أو مشهورهم في غالب الفقه (مثلاً في 80% من مسائله) فإنه باطل لا لأن عنوانه انه فقه جديد بل لأنه مخالف للضرورة المسلمة بأن أغلب الفقه متلقى من الكتاب والسنة.
وأما كلام المحدث الكاشاني والسيد المرتضى (قدس سرهما)، بعدم انفعال سائر الأجسام (بل الصحيح أن كلامهم هنا هو: مزيلية الإزالة للنجاسة، لا عدم الانفعال) فليس واحداً من الأنواع الثلاثة، فلا هو مبني على القياس ولا على مقاصد الشريعة ولا انه يستلزم تغيير أكثر الفقه بل إنما هو خلاف في مسألة واحدة من بين الألوف من مسائله فهو كمخالفة العلامة ثم المشهور في مسألة البئر أو مخالفة المتأخرين في المعاطاة أو مخالفة السيد الوالد والسيد سعيد الحكيم (قدس سرهما) والسيد السيستاني (دام ظله) وبعض آخر من الفقهاء الذين قالوا بطهارة أهل الكتاب[6]، خلافاً لمشهور المتقدمين والمتأخرين، وكمخالفة جمع في صحة بيع الحق، فإنه لا يُهوّل عليهم بانه يستلزم فقهاً جديداً مادام ليس من الصور الثلاثة.
بل الأمر بالعكس أي إن كانَ تهويلٌ فهو للمحدث الكاشاني لا عليه، إذ كلامه على القاعدة وكلام المشهور قد يدعى انه قياس، إذ ان الكاشاني يجمد على موضع النص إذ يقول: لم ترد النصوص بنجاسة الأشجار والأبواب وأدوات الحِدادة بالنجاسات[7] بل وردت في الثوب والبدن (والأواني والفراش والطنفسة والجِص) خاصة، فالتعدي عنها إلى غيرها تنقيح مناط وقياس، اللهم إلا بدعوى عرفية استفادة التعميم منها كما ذكره بعض الفقهاء وسيأتي جوابه غداً بإذن الله تعالى.
وبعبارة أخرى: لو دار الأمر بين محذور التورط في الفقه الجديد وبين محذور القياس، فلا شك ان الهروب من محذور القياس أولى من الهروب من محذور الفقه الجديد، فلئن كان كلام المحدث الكاشاني فقهاً جديداً (وهو الذي لا يوجد دليل على حرمته) فإنه خير من أن يكون قياساً وهو محرم قطعاً (بناءً على عدم صحة توجيه كلام المشهور بما يخرجه عن القياس إلى دعوى الظهور العرفي للنصوص وإن كانت ظاهراً خاصة بمواردها).
جواب الفقه عن لزوم محذور تفكيك آثار النجاسات
وأجاب في الفقه عن الدليل الثاني بقوله: (وأما التفكيك بين آثار النجاسات، فهو شيء يلتزم به الكل، ولذا تراهم يفتون باختلاف حكم الثوب والآنية في التعفير وعدد الغسلات وغيرها، بل يمكن أن يقال: إن الفرق في حكم النجاسة بالنسبة إلى بول الكبير والرضيع، واختلاف كيفية التطهير بالجاري والراكد من الشواهد على أنها من الأصول العرفية التي زاد الشارع ونقص فيها، كالمعاملات.
وكيف كان فما ذكره الكاشاني (رحمه الله)، وحكاه عن السيد ـ وإن أشكل الفقيه الهمداني (رحمه الله) في الحكاية أيضاً ـ قريب احتمالاً، وإن كان الخروج عما فهمه أساطين الفقهاء مشكل جداً، فالاحتياط لا ينبغي تركه قطعاً).)[8]
والحاصل: ان لزوم التفكيك بين آثار النجاسة ليس تالياً باطلاً كي يكون المقدم مثله بل هو تالٍ مسلّم يلتزم به الكل (والمقدَّم هو متابعة النص الوارد في موارده، بخصوصه من دون التعدي إلى سائر الموارد أي سائر النجاسات وسائر الأجسام).
المناقشة: التفكيك نوعان
ولكنّ الظاهر عدم ورود إشكال الفقه عليه؛ إذ التفكيك تفكيكان:
أحدهما: التفكيك بين أحكام النجاسات (وهو ما ذكره الفقه، فإن بول الرضيع بالنسبة إلى ثوب المربية يكفي فيه الغسل مرة واحدة، ولا يكفي ذلك من بول الكبير بل يجب أن يكون الثوب في كل صلاة طاهراً، كما انه خاص بثوب المربية، والبول يغسل بالقليل الراكد مرتين لكنه يغسل بالكر والجاري والمطر مرة.. وهكذا).
الثانية: التفكيك بين أحكام النجاسات بنحو آخر، والظاهر انه هو الذي أراده المحقق الهمداني فلا يرد عليه إشكال الفقه، وهو: التفكيك بين النجاسات بحسب النصوص في المتعلَّق الواحد نفسه[9] بأن يقال مثلاً حيث ورد تنجس الثوب بالبول والكافر والمني نجمد عليه وحيث لم يرد تنجسه بالخنزير أو عرق الجنب من الحرام مثلاً لا نقول به، وهكذا.
وهذا مقصوده إذ لاحظ عبارته مرة أخرى (وللزم التفكيك بين آثارها حتى في الثوب والبدن والأواني وغيرها من المأكول والمشروب، ضرورة أنّه لم يرد في كلّ واحدة منها بالنسبة إلى كلّ واحد من هذه الأشياء نصّ بالخصوص)، فكلامه عن خصوص الثوب والبدن والأواني (مما سلم الطرفان بتنجسه) وانه لم يذكر في كل منها تنجسه بكل النجاسات العشرة (أو الأكثر – على الخلاف) لا عن أحكام تطهير هذا واختلافه عن تطهير ذلك.
الجواب عن إشكال الهمداني: انه قياس للأضعف على الأقوى
فالصحيح في الجواب عنه أن يقال: انه (قدس سره) قاس الأضعف على الأقوى، فإن التفكيك في الصورة الأولى التي ذكرها الفقه مما يلتزم به الكل حتى الفقيه الهمداني، كما قاله الفقه، أما التفكيك في الصورة الثانية التي أرادها مصباح الفقيه فلا يقبله أحد حتى المحدث الكاشاني والسيد المرتضى وصاحب الفقه.
والحاصل: انّ التفكيك الثاني مُسلَّم بطلانُهُ لدى الكل بل هو من ضروريات الفقه، عكس التفكيك الأول فإنه مسلَّم لدى الكل صحّتُه، فلا يقاس أحدهما على الآخر، أي لا يصح القول: انه حيث بطل، بالإجماع والضرورة، التفكيك في الثوب وشبهه من حيث منجِّساتها (وحيث قلنا أن كل النجاسات العشرة منجسة له) فإنه يبطل التفكيك بين الثوب وأخواته وبين الأشجار والأحجار والمفاتيح... مع أن الأخير ليس ضرورياً ولا هو مجمع عليه أي ليس ضرورياً بطلان هذا التفكيك، ولا هو مجمع عليه إذ قال به مثل السيد المرتضى والمحدث الكاشاني، فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ تَزُلْ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَمَّا اكْتَسَبَهُ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ)) (تحف العقول: ص56).
أسئلة:
- هل هناك فرق بين القياس وتنقيح المناط القطعي؟
- ابحث عن مقويات لكون تأسيس فقه جديد محذوراً، أو عن مضعّفات.
- هل توجد صورة رابعة لمحذور تأسيس فقه جديد؟.
- اذكر خمس أمثلة للتفكيك بين أحكام النجاسات.
[1] مصباح الفقيه: ج1 ص275.
[2] لعله (قدس سره) يقصد: يوجب.
[3] لعله (قدس سره) يقصد: يوجب.
[4] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة: ج2 ص55.
[5] (Meditation).
[6] وأن نجاستهم عرضية.
[7] أي يقول: لم ترد نصوص بتوقف تطهيرها على الغسل، فتكفي الإزالة العرفية.
[8] موسوعة الفقه / كتاب الطهارة: ج2 ص55-56.
[9] وهو الثوب.