224- ثمرة بحث (القضية في واقعة) في مبحث ان وظيفة الفقيه التصدي للقضايا الخارجية ـ الدليل الثاني على ان من وظيفة الفقيه التصدي للقضايا الخارجية : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) الدليل الثالث (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)
الأربعاء 2 ربيع الآخر 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول الدليل الاول الذي يمكن ان يستدل به على اضطلاع المعصوم (عليه الصلاة والسلام) بالقضايا الخارجية، ثم صحة اضطلاع الفقيه بل ولزوم اضطلاعه بالقضايا الخارجية, والدليل الاول هو ما عبر عنه الفقهاء بقضية في واقعة وقلنا ان قضية في واقعة تحليلها يرجع إلى احد امور سبعة وذكرنا تلك الوجوه مع بعض الامثلة، هذا ما مضى.
الثمرة من الوجوه السبعة في تحليل (قضية في واقعة).
اما الاستنتاج من ذلك والثمرة ووجه الاستدلال بالوجوه السبعة المذكورة، فنقول: ان هذه الوجوه، على بعضها يثبت ان الفقيه ممن يصح له ان يتصدى للقضايا الخارجية؛ بل انه هو الذي يصح له التصدي لها لا غير، وعلى بعض الوجوه الأخرى يثبت انه يصح للمكلف بشكل عام التصدي للقضايا الخارجية وليس للفقيه فحسب, واما بعض الوجوه الاخرى التي اسقط بها الاعلام القضايا في واقعة عن الحجية, فيثبت بها الدور الاول فقط وهو ان المعصوم (عليه السلام) اضطلع بالقضايا الخارجية في تلك القضايا الخارجية الخاصة، فالثمرة على هذا الاحتمال المسقط لها عن الحجية تكون محدودة، لكن حسب التتبع فأن اكثر موارد القضايا في واقعة هي من احد القبيلين السابقين، وبايجاز وكإشارة نقول:
ان بعض هذه الوجوه يثبت بها ان للفقيه حصرا بعد المعصوم (عليه السلام) ان يتصدى للقضايا الخارجية، وذلك الوجه هو وجه تعليل القضايا في واقعة بالولاية, التي كانت في ترتيبنا الثالثة، فاذا عُلِّل تصدي المعصوم (عليه السلام) لتلك القضايا – أكثرها أو بعضها - بالولاية وقلنا ان ولاية الفقيه شاملة للامور العامة ففي مثلها يختص به التصدي، ولو قلنا باختصاصها بالامور الحسبية مع كون بعض تلك (القضايا في واقعة) من الامور الحسبية (بل لعل اكثرها كذلك ان لم يكن الكل المستغرق منها في الشؤون الحسبية) فبناءا على هذا الوجه فانه يثبت به صحة تصدي الفقيه حصريا دون مطلق المكلف – على أحد المبنيين في الأمور الحسبية - للقضايا الخارجية
ولو قلنا ان وجه القضايا في واقعة هو انها تطبيقات للعناوين الثانوية على مصاديقها وانها حاكمة على العناوين الاولية فحينئذ تكون الثمرة كما اشرنا سابقا: على شعبتين، فتارة ينتج ذلك كون التصدي للشؤون الخارجية هو للفقيه حصرياً وذلك اذا كانت لا ضرر ولا حرج المفسر بهما تلك الروايات، واردةً في القضايا النوعية، فعندئذ للفقيه كالمعصوم (عليه السلام) تأسيا به، حصريا التصدي للقضايا الخارجية، واما لو كانت تلك القضايا شخصية فان الثمرة ستكون عندئذ هي صحة تصدي عامة المكلفين للقضايا الخارجية، فالثمار على ضوء ذلك البحث مختلفة ومتنوعة.
واما لو قلنا بان وجه القضايا في واقعة هو حكم المعصوم (عليه السلام) في القضية على ضوء علمه من الاسباب الطبيعية فالثمرة ستظهر ايضا في اختصاص الفقيه او القاضي بالتصدي حصريا لتلك القضايا الخارجية التي عللت بهذا الوجه, إذ الفقيه له وليس لغيره ان يتصدى لما يرتبط بدائرة القضاء والحكم.
لو قلنا ان وجه القضايا في واقعة هو التفويض, فلا، اي سيختص استثمار ذلك البحث في المسألة الاولى التي كانت دائرتها ضيقة, وهي ان المعصوم (عليه السلام) كان يتصدى للشؤون في القضايا الخارجية، اما هل للفقيه ان يتصدى او ليس له ذلك، لا للتفويض بل لجهة أخرى فهذا الوجه ساكت عن ذلك، والحاصل: ان التتبع والاستقراء يكشف ان القضايا في واقعة غالبها ليس من هذا القبيل اي التفويض بل لعل بعضها الاقل جدا كذلك وكذلك احتمال عملهم عليهم الصلاة والسلام بعلمهم الغيبي فانه في بعضها جار، اما الاكثر فلا، اذن الثمرة من هذا البحث ذات ثلاثة شعب كما اوضحنا فليتدبر في ذلك وليتأمل في بقية المسائل والامثلة.
تطبيق البحث على صغرى (الاجتهاد في أصول الدين)
انطلاقا من ذلك كله نبدأ بالبحث التطبيقي فانه بعد اتضاح تلك الوجوه وترجيحنا بعضها كما اتضح من مساق البحث، يتضح عندئذ حكم الفقيه بل عامة المكلفين بالنسبة للقضايا الخارجية في اصول الدين وانه هل من تكليف الفقيه - او من تكليف عامة المكلفين - ان يأمر او ينهى عن الاجتهاد او عن التقليد في اصول الدين او ليس من تكليفهما، وسنوضح ذلك لاحقاً اكثر ان شاء الله.
وفي ختام هذا الدليل لا بأس ان نطرح تمرينا عمليا لترويض الملكة وهو احدى المسائل المذكورة في الجواهر والتي ينبغي مطالعة المسألة والاقوال فيها والمحاكمة بينها، وهي من مصاديق قضية في واقعة، وفيها وردت رواية صحيحة وعمل بها بعض كشيخ الطائفة وأتباعه وانكرها بعض بدعوى انها قضية في واقعة كما فصّل بعض, بدأ من شيخ الطائفة إلى صاحب الجواهر إلى المتأخرين، والبحث السابق سيلقي بعض الضوء للاجابة عن هذا السؤال، وهذه الرواية هي صحيحة ابي عبيدة عن الامام الباقر (عليه السلام) مضمونها ان رجلا زوج احدى بناته رجلا اخر ولم يسمّ أياً منهن المعقود عليها، لا للزوج ولا للشهود, والمفروض في النكاح ان تحدد الزوجة ويعين الزوج والا فلا يصح ان يعقد رجل ما على امرأة ما, لكن الامام (عليه السلام) يجيب بما اثار هذا البحث اذ يقول (عليه السلام) ان الزوج اذا رأى البنات ولم يسمِ احداهن فعقد الاب على احداهن فالعقد صحيح مع انه لم يحدد والقول قول الاب في تعيين احداهن، اما لو لم ير الزوج البنات ولم يسمّ له واحدة فزوجه الاب احداهن فالنكاح باطل , فلا بد من ملاحظة الوجوه السبعة وكيف يمكن ترجمتها عمليا وتطبيقها على هذه المسالة.
هذا هو الدليل الاول, اما الادلة الاخرى فنمشي عليها سريعا لأنها مذكورة في ابوابها ومبحوثة في الأصول والفقه تفصيلاً لكن استثمارها في القضية الخارجية لم اجده بتتبع ناقص فنبني ههنا على تلك البحوث ونستثمرها في مبحثنا بقدر الحاجة.
2.قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
الدليل الثاني على ان التصدي للقضايا الخارجية من مسؤولية الفقيه وان قوله فيها حجة وانه يلزم الاتباع: هو قوله تعالى: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وجه الاستدلال: اذا قلنا بأن (ال) في (الذكر) هي الف لام الجنس فالاية ستكون تامة الدلالة على المقصود فان (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) تعني الفقهاء اي العلماء الذين هم أهل الذكر لله ولأحكامه، اما لو قلنا ان الالف واللام للعهد وان المراد هو أهل بيت الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لأن الرسول هو الذكر. وعليه فان (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) اي اسألوا اهل البيت (عليهم السلام) فعندئذ تكون هذه الاية دليلا في تلك الدائرة الضيقة الاولى وتدل على ان اهل البيت (عليهم السلام) من مسؤولياتهم الاضطلاع بالشؤون الخارجية لأن مورد الاية قضية خارجية، وهناك ايتان في القرآن متقاربتان، احدى الايتين (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فان المورد هو الامور الخارجية إذ الحديث عن مَن ارسل في الأزمنة السابقة الا رجالا اي لم نرسل مثلاً ملائكة حتى يطالبوا بارسال ملائكة، فـ(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ثم انه سواءاً كان المورد من باب المثال والمصداق او كان هو المراد حصريا فعلى كلا التقديرين القضية خارجية والمسؤول على الرأي الأول هم الائمة (عليهم السلام) فيثبت بذلك تصديهم للشؤون العقدية للامور الخارجية.
لكن حسب الرأي الثاني وهو رأي كثير من الاصوليين فان (ال) في (الذكر) للجنس لا للعهد وان تفسير الروايات اهلَ الذكر بالائمة (عليهم السلام) هو تفسير باجلى المصاديق، فعلى هذا الرأي الثاني الاصولي فالامر واضح فيما نستدل عليه لأن الاية تأمر بالسؤال في القضايا الخارجية الاعتقادية والتي هي مورد كلامنا والتي منها كمصداق هذه المسألة، من اهل الذكر وسادتهم الائمة (عليهم السلام)، فتدل على ان قول الفقيه حجة والا كان الامر بسؤالهم لغوا , وتفصيل هذا البحث بمناقشاته متروك للاصول, اذن هذا الدليل واضح على مبنى ان (ال) للجنس.
3- قوله تعالى(ليتفقهوا في الدين) والتفقه اعم من القضايا الحقيقية والخارجية.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) لعل ظاهر كلمات الاصوليين ان مصب هذه الاية القضايا الحقيقية فاذا كان ظاهر كلماتهم ذلك فنقول: ذلك لا ينفي ان القضايا الخارجية ايضا مشمولة بهذه الاية، توضيح ذلك: انه يمكن ان نستدل بـ( لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) أولاً بـ(لِيُنذِرُوا) ثانيا فنقول (ان ليتفقهوا في الدين) اعم من القضايا الحقيقية والخارجية لأن كليهما تفقه في الدين، فعلم التفسير مثلا تفقه في الدين كالبحث عن قوله تعالى: (قل هو الله احد) وانه لم قال احد ولم يقل واحد، وكالبحث عن الامور التاريخية او الاجتماعية او غيرها المذكورة في القرآن الكريم, والحاصل: انه لا شك ان التفسير بكافة جوانبه تفقه في الدين سواءاً منه ما تطرق لتبيين قضايا خارجية مثل ( الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ) ام ما تطرق لتبيين قضايا حقيقية مثل تتمة الاية (لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ).
ومثال اخر علم الرجال فان مهمته القضايا الخارجية وليس له تطرق للقضايا الحقيقية مثلا زرارة ثقة او لا؟ وابو جميلة هل هو غال او لا، وهل رواياته في المعارف حجة او لا؟
وعمر بن حنظله ما وضعه وهل روايته مقبولة ام لا؟ وهل محمد بن سنان غال فتسقط روايته عن الحجية ام انه ليس بغال كما هو الحق.
والحاصل: ان التفقه في وضع الرجاليين وفي وضع اسناد رجال الحديث تفقه في الدين دون شك بل هو تفقه في اسس الدين، فانه تارة يتفقه شخص في مسألة واحدة من مسائل الدين وتارة يتفقه في مفتاح من المفاتيح الرئيسية وبكلمة، فان علم الرجال كله قضايا خارجية، فاذا كان البحث في علم الرجال بغرض ان يعرف صحة الاحاديث من سقمها، فانه بلا شك تفقه في الدين وقد امر في الاية بذلك (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) في القضايا الحقيقية منها والخارجية وعليه فانه يستفاد من إطلاق الآية الشريفة كوننا مكلفين كواجب كفائي في ان نحقق في علم الرجال والدراية في ان كتاب تحف العقول مثلاً حجة اولا؟ فلو ان فقيه قام بتحقيق ذلك فنقول استنادا لهذه الاية ان قوله حجة في هذا (الباب) والمفتاح كما ان قوله حجة في الفروع، فان كثيراً من الادلة تستند اليه – أي إلى هذا البحث المفتاحي -، كما في رواية المكاسب التي صدر بها صاحب المكاسب مكاسبه وهي رواية ان معايش العباد على اصناف خمسه.
اذن (تفقهوا في الدين) بمفردها تصلح دليلا على ان من وظيفة المؤمنين بنحو الوجوب الكفائي: التصدي للقضايا الخارجية. وعلى ذلك نبني انه لا يكفي للفقيه لو وصل اجتهادا بنحو القضية الحقيقية إلى وجوب الاجتهاد في اصول الدين، ان يكتب ذلك في رسالته العملية فقط، بل من الواجب كفاية ان يتصدى هو او نظائره لبيان القضية الخارجية للمكلفين على حسب اوضاعهم التي قد تستلزم ان يحرم على هذا المكلف بالذات الاجتهاد في اصول الدين او بعض فروعها، وفي زمن الأزمنة أو حالة من الحالات لأنه في مظان الانحراف بذلك كونه غير محصِّن، بالعكس كما لو وصل إلى عدم الوجوب كقضية حقيقية لكن في القضية الخارجية قد يكون عليه ان يحكم على هذا الشخص بوجوب الاجتهاد، وللحديث تتمة.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
الأربعاء 2 ربيع الآخر 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |