261- 8ـ الوضع للوجود الساري في جملة من المقولات ـ العراقي 9ـ الوضع للمبهم غاية الابهام مع معرفية عنوان غير منفك عنه ـ الاصفهاني 10ـ الوضع لجامع ليس مشخصاً باسمه بل اليه بخواصه ـ الآخوند
الثلاثاء 5 جمادى الآخر 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول ان متعلَّق مسألتنا وهو (اصول الدين) في مسألة وجوب الاجتهاد في اصول الدين، هذا المتعلق له اطلاقات، والسؤال هو ان هذا اللفظ وُضِع بأي نحوٍ لها، فهل وضع لكل منها بوضع على حده، ام انه وضع للجامع، وما هو الجامع؟ او الحل بوجوه اخرى,وذكرنا ثمانية وجوه ومحتملات في تصوير الموضوع له.
9- الوضع للوجود الساري في جملة من المقولات - للمحقق العراقي
وأما الوجه التاسع فهو ما ذهب اليه المحقق العراقي[1] في العبادات مثل الصلاة فلنر هل هذا الوجه جار في اصول الدين، وفي الاسلام، وفي العدالة، وفي غيرها من اشباهها مما كانت هنالك معاني مختلفة تدل عليها لفظة واحدة؟ والوجه الذي ذكره المحقق العراقي يحتاج إلى الالتفات فانه يقول ليس هناك جامع ماهوي ولا هنالك جامع عنواني اعتباري ؛وانما الموضوع له هو الوجود الساري الممتد على المقولات المختلفة ذاتا باعتبارها اجناسا عالية.
توضيحه بالمثال: ان الصلاة مركبة من عدد من المقولات فمنها مقولة الوضع كالركوع والسجود, والوضع تعريفه هو:
(الوضع هيئة لشيء حاصلا * من نسبة الاشياء بعضها إلى * بعضٍ ومن نسبتها لخارج)، والركوع والسجود ينطبق عليها هذا التعريف ومنها مقولة الفعل فانها مركبة من مفردات لمقولات اخرى مثل مقولة الفعل فان الهوي إلى الركوع (القيام المتصل بالركوع) من مقولة الفعل ومنها مقولة (الكيف) فان الصلاة مركبة من اجزاء من مقولة الكيف كالقراءة على رأي فانها من مقولة الكيف المسموع لأن الصوت عبارة عن اهتزازات في الهواء هذه الاهتزازات عبارة عن صوت، اذن الصلاة مركبة من عدة مقولات والمقولات التسع كعاشرها وهو الجوهر، هذه لا جامع ذاتي بينها وانما جامعها في مثل الصلاة امر اخر.
والحاصل ان المحقق العراقي يدخل الموضوع له في دائرة الوجود، ويخرجه من دائرة الماهية والمفهوم، عكس العديد من المباني السابقة إذ بنت على اصالة الماهية[2] وان الموضوع له هو الكلي الطبيعي والمفهوم، لكن المحقق العراقي يقول ليس الموضوع له هو المفهوم المشير للماهيات[3] بل الموضوع له هو الوجود فكأنه بنى كلامه على اصالة الوجود وان الالفاظ موضوعة للوجودات لا للمفاهيم، على الاقل في الماهيات المخترعة الشرعية، وبكلمة فان الموضوع له وجود ساري، والصلاة وجود منبسط على هذا المجموع المركب من ماهيات مختلفة، هذا التعبير الاول لكلامه.
التعبير الثاني هو ان الصلاة موضوعة لمرتبة خاصة من الوجود وهذه المرتبة الخاصة من الوجود جامعة، اي وجودا, بين المقولات المتباينة بالذات[4].
لكن قد يعترض عليه: هل الموضوع له في الصلاة مثلا هو مواد هذه الاشياء او هيئتها أو الهيئة العامة؟ فان أريد الأول اي مادة الركوع والسجود والهوي.
ففيه: ان هذه المواد لا شك في كون وجوداتها متباينة، لا ماهياتها فحسب، إذ ان وجود مقولة الفعل مباين لوجود مقولة الكم والكيف والوضع ومتى والانفعال وسائر المقولات، والحاصل: ان المقولات ليس تخالفها في المفاهيم والماهيات فقط بل تخالفها بلحاظ وجوداتها الخارجية إذ ان وجوداتها بعضها مباين للبعض الاخر, اما ان اراد ان اللفظ موضوع لهيئة كل فعل ووضع وما اشبه، فالكلام الكلام فان هذه الهيئة وجوداً مباينةٌ لتلك الهيئة، فكما ان الجوهر كزيد مباين لوجود الحائط، كذلك مقولة الكيف وجودا مباينة لمقولة الكم وجودا, أي وجود هذا غير وجود ذاك، والحاصل انه اراد المواد فهي متباينة وجودا كما هي متباينة كمفاهيم وماهيات، وان اراد هيئات كل منها فهي متباينة من حيث الوجود ايضا، وان اراد الهيئة الواحدة العامة فهي وجود واحد وليس وجودا سارياً يجمع بين المتباينات، بل الموضوع له امر واحد بالشخص، فتأمل
ولا نريد التوقف عند تقييم هذه الاراء وان استطردنا لذكر أحد الاشكالات على هذا المبنى الأخير، لأنه يدخلنا في بحث مبنائي، وللمراجعة كمصدر فان أفضل ما وجدت ممن ناقش اكثر هذه الأراء هو السيد الوالد في الاصول[5] فهو اكثر نسبيا من البقية استيعابا للأراء المختلفة ومناقشة لها فالبعض ذكر خمس أو ست معاني كالسيد الخوئي في المصباح ونحن ذكرنا (11) معنى، والوالد لعله ذكر (9) منها فليراجع ويحقق لأنه بحث مبنائي يترك لمحله.
10- الوضع للمبهم غاية الابهام مع معرِّفية عنوانٍ غير منفك عنه - للمحقق الأصفهاني
الاحتمال العاشر: للمحقق الاصفهاني[6] المعروف بالكمباني[7], وهو: ان لفظة الصلاة ونظائرها من الماهيات المتألفة من عدة أمور، وضعت للمبهم غاية الابهام مع وجود عنوان لا ينفك عنها مشير اليها؛ وكلامه في مرحلة الوضع والثبوت عكس راي الاخوند الذي سيأتي حيث يتكلم في مرحلة الاثبات, وحاصله: ان كلمة الصلاة حيث ان لها عرضا عريضاً وأنواعاً وتشتمل على المتضادات أو المتخالفات، فصلاة مع التشهد وصلاة بلا تشهد، و كلاهما صلاة ان نسي التشهد، وصلاة مع سجدتين وصلاة بسجدة واحدة، وصلاة الغريق الفاقدة لأكثر الأجزاء لكنها صلاة وهكذا, فما هو الجامع بينها؟ وجوابه هو ان الوضع للمبهم وتوضيحه انه عندما يريد الواضع الوضع فماذا يفعل؟ ففي المثال السابق (البيت) حيث انه قد يكون البيت مثلث الاضلاع او مربعها او مخمسها او غير ذلك، فهل يضع لفظ البيت للمثلث فما حال غيره؟ او يضع اللفظ عدة مرات فيلزم تعدد الاوضاع بما فيه من إضاعة الوقت؟, المحقق الاصفهاني يقول لا هذا ولا ذاك بل الحل في ان تبهمها بان تبعد النظرة فتنظر لها كالشبح[8] فاذا ابهمتها غاية الابهام بأن تصورت بيتاً هلاميا مثل الشبح من بعيد فلم تفكر بالتربيع للاضلاع ولا بالتسديس، ولم تفكر من حيث العلة المادية بكونه من طابوق او حجر او غير ذلك، فتبهم المعنى ثم تضع اللفظ للمبهم, اذن كلامه في عالم الثبوت، إذ الذي صنعه هو انه ابهم وشبَّح وجعل اللفظ للشبح للمبهم والمبهم يقبل الانطباق على مختلف الاشياء، كالشبح من بعيد فانه ينطبق على كل ما تتصوره اما الاسد المشخص فلا ينطبق على النمر والنمر لا ينطبق على الذئب وهذه لا تنطبق على الانسان كذلك.
لكن يوجد هناك – حسب كلامه - عنوان ملازم للمبهم لأن المبهم الصرف لا ينفعنا، والعنوان الملازم الذي يلحظه الواضع او الشارع هو (الناهية عن الفحشاء) فالنهي عن الفحشاء ليس هو الموضوع له برأيه وانما الموضوع له هو الصلاة المبهمة لكن وضعت لها علامة وهي النهي عن الفحشاء وهي تنطبق على كل صلاة، فصلاة المسافر ناهية كصلاة الحاضر وصلاة الغريق كذلك وكذا فاقد التشهد نسيانا وهكذا.
وتطبيق كلامه في اصول الدين, هو ان اصول الدين او الاسلام او العدالة، وضعت للوجود المبهم فلم يلاحظ الشارع عند وضع كلمة الاسلام خصوص التسليم بوجود الله ووحدانيته والنبوة ولا لاحظ الولاية ولا الصلاة فلم يفصِّل بل ابهمها، اي (التسليم والاذعان) المبهم هو الموضوع له الاسلام، كذلك اصول الدين فلم يتصور اصول الدين بالتفصيل اي غض النظر عن التصور التفصيلي بل أبهم التصور فوضع لفظ اصول الدين للاصل وهذا الاصل ينطبق ههنا بشكل وهناك بشكل اخر.
والكلام في تصور كلماتهم وليس في دليلهم وردودها, هذا رأي الاصفهاني وبحسب تعبيره (الموضوع له للصلاة هو سنخ عمل مع معرّف كالنهي عن الفحشاء) وعليه في ما نحن فيه فان الموضوع له (سنخ تسليم) لكن تسليم بماذا؟ ذلك مما أبهم.
11- الوضع لجامع ليس مشخصاً باسمه بل بخواصه - للآخوند
الرأي الاخير: هو للآخوند في الكفاية حيث يقول:هناك جامع حقيقي موضوع له وليس مبهما,عكس رأي الاصفهاني حيث يراه مبهما حتى عند الواضع اي تعمد ابهامه, فيلتزم الاخوند بوجد جامع – ولا يقبل الأوضاع المتعددة - وهذا الجامع واضح ومحدد للواضع مثلا الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكن هذا الجامع غير متشخص لنا، فالمشكلة والنقص في قابلية القابل لا في فاعلية الفاعل فاصول الدين مثلاً معلوم للشارع الجامع الذي وضعها له, اما لنا فغير متشخص الا بلحاظ الاثار، ويوجد برهان إنّي على المدعى فلا يشكل بـ: ما الدليل على وجود الجامع؟ إذ يجاب: برهان الاثر والغرض حيث ان هذه الصلوات المتضادة أو المتخالفة كلها مشتركة في الاثر فوحدة الاثر تكشف عن وحدة المؤثر، فكلها قربان كل تقي، وكلها معراج للمؤمن، وكلها ناهية عن الفحشاء والمنكر,اذن هذه الاثار هي البرهان على وجود جامع حقيقي موضوع له اولا وهي عنوان مشير لذلك الجامع,هذا هو رأي الاخوند في مبحث الصحيح والاعم .وهذه الاراء ما هو الصحيح منها في مبحثنا مع قطع النظر عن البحوث المبنائية المفصلة هنالك؟، سنذكر ان ملاحظة الروايات اجمالا في اصول الدين ستفيدنا في تحديد الموضوع له ان شاء الله.
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - بدائع الافكار ص118.
[2] - الماهية تطلق بلحاظ الخارج والمفهوم بلحاظ الذهن
[3] - أي المفهوم الذهني المشير للماهيات الخارجية.
[4]- ولسنا في صدد تقييم هذا الاراء، فانه ترد على هذه الوجه وعلى بعض الاراء السابقة واللاحقة، اشكالات عديدة لكننا في صدد تصوير المحتملات التي قيلت، وما نضيفه، وهل تجري في ما نحن فيه بعضا او كُلاً، امكانا او في عالم الاثبات او لا؟
[5] - (الأصول) ج1 ص80 فصاعداً.
[6]- نهاية الدرايةج1 ص39
[7]- وكان لا يحبذ اطلاق هذا اللقب عليه
[8]- توضيحا لكلامه
الثلاثاء 5 جمادى الآخر 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |