366- فقه رواية ( ان من الاشياء اشياء مضَيَقَة ... ومن الاشياء اشياء موسَعَة ) الاحتمالات 1ــ المجلسي :المراد الشقوق المختلفة ( اي الجلية) 2ــ بل الشقوق المختلفة الخفية 3ــ الاصفهاني : المراد الموسعات فقط
السبت 15 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
منتخب من روايات المعاريض
وروى في بصائر الدرجات بسند صحيح([1]) (عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَ عَلِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فَسَأَلَهُ عَلِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا فَقَالَ عَلِيٌّ([2]) فَإِنْ كَانَ كَذَا وَ كَذَا فَأَجَابَهُ فِيهَا بِوَجْهٍ آخَرَ وَ إِنْ كَانَ كَذَا وَ كَذَا فَأَجَابَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ حَتَّى أَجَابَهُ فِيهَا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ حَنْظَلَةَ قَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَدْ أَحْكَمْنَاهُ فَسَمِعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فَقَالَ لَا تَقُلْ هَكَذَا يَا أَبَا الْحَسَنِ فَإِنَّكَ رَجُلٌ وَرِعٌ إِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ ضَيِّقَةً وَلَيْسَ تَجْرِي إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقْتُ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لِوَقْتِهَا إِلَّا وَاحِدٌ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَمِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً تَجْرِي عَلَى وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَهَذَا مِنْهَا وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ عِنْدِي سَبْعِينَ وَجْهاً)([3])
وفي البصائر أيضاً: عن ابن سنان، عن علي بن أبي حمزة قال: (قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَ أَبُو بَصِيرٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) فَبَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ إِذْ تَكَلَّمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) بِحَرْفٍ فَقُلْتُ أَنَا فِي نَفْسِي هَذَا مِمَّا أَحْمِلُهُ إِلَى الشِّيعَةِ هَذَا وَاللَّهِ حَدِيثٌ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَنَظَرَ فِي وَجْهِي ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَتَكَلَّمُ بِالْحَرْفِ الْوَاحِدِ لِي فِيهِ سَبْعُونَ وَجْهاً إِنْ شِئْتُ أَخَذْتُ كَذَا وَإِنْ شِئْتُ أَخَذْتُ كَذَا)([4])
قوله ( عليه السلام ) Sإِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَشْيَاءَ مُوَسَّعَةً وَأَشْيَاءَ مُضَيَّقَةً فَالصَّلَاةُ مِمَّا وُسِّعَ فِيهِ تُقَدَّمُ مَرَّةً وَتُؤَخَّرُ أُخْرَى وَالْجُمُعَةُ مِمَّا ضُيِّقَ فِيهَا فَإِنَّ وَقْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ تَزُولُ وَوَقْتَ الْعَصْرِ فِيهَا وَقْتُ الظُّهْرِ فِي غَيْرِهَاR([5])
فقه الحديث:
وقد ذكر الاعلام في معنى الرواية الأولى احتمالين([6])، وسنضيف لها أخرى:
أ- رأي المجلسي: الشقوق المختلفة (الجلية)
1- ما استظهره العلامة المجلسي من (بيان: لعل ذكر وقت الجمعة على سبيل التمثيل والغرض بيان انه لا ينبغي مقائسة بعض الأمور ببعض في الحكم، فكثيراً ما يختلف الحكم في الموارد الخاصة، وقد يكون في شيء واحد سبعون حكما بحسب الفروض المختلفة).
وتوضيحه بالمثال: ان حكم المسافر يختلف عن حكم الحاضر ويختلفان عن حكم المشتبه إذ عليه ان يحتاط بالجمع في بعض الصور وكذا حكم البنت الواحدة مع البنتين فالأكثر مع الاخوة وبدونهم في الإرث وهكذا حكم الجهالة في البيع المغتفرة([7]) في الصلح وهكذا
ولكن الميرزا مهدي الاصفهاني، أشكل على المجلسي بقوله (ولو كان اختلاف الجواب من جهة اختلاف شقوق المسألة فاختلف لذلك الحكم كما توهمه بعضٌ لم يكن وجه لقول علي بن حنظلة هذا باب قد أحكمناه ولا لنهي الإمام إياه لبداهة اختلاف حكم المضيّق باختلاف بعض الشقوق المفروضة فيه فلم يكن وجه ولا ربط لما فصَّله الإمام في ذيل الرواية أيضاً)([8])
وتوضيحه: ان اختلاف المسألة باختلاف شقوقها من البديهيات فلا وجه على هذا لقول علي بن حنظلة (هذا باب قد أحكمناه) سواء أكان استنكارياً([9]) وهو بعيد أو فخرياً([10]) ولما كان وجه لنهي الإمام عنه إذ هذا المعنى من ما لا ينكره أحد.
أقول: لكن إشكال الميرزا لا يرد على العلامة المجلسي ظاهراً، إذ المستظهر ان المجلسي يقصد وجهاً آخر لا ما فهمه منه الاصفهاني، ولو تم توجيهنا لكلام المجلسي فبها وإلا فانه وجه جديد لا بأس به في حد ذاته وهو:
ب- الشقوق المختلفة الخفية (خفيِّة الفوارق)
2- ان المراد: اختلاف أحكام المسألة باختلاف الشقوق التي يتوهم السامع اندراجها في جامع واحد واشتمالها على ملاك تام واحد، غفلةً عن الواقع وانها – أي الشقوق – على أصناف ولها أحكام مختلفة تبعاً، إذ قد يكون لبعض الشقوق المندرجة تحت بعض الأصناف أ- ملاك أو ملاكات مزاحَمة ب- أو قد يوجد لها مانع ج- أو قد يكون الملاك الموجود في صنف ليس تمام الملاك بل يكون جزءه د- أو يكون احد الملاكات على سبيل البدل.
والحاصل: ان السامع قد يتوهم اتحاد أحكامها لاتحاد موضوعها ولكن الشارع أجاب بأحكام مختلفة على طبق الواقع الخفي على السامع
مثال ذلك ما لو سأل عن حكم بيع كيلو من الحنطة الجيدة بكيلو ونصف من الرديئة فأجابه الإمام بالحرمة وسأله عن بيع ثلاث بيضات جيدة بأربع رديئة فأجابه بالجواز فان السامع – غير العارف بالمسألة من قبل – يتصور اتحاد الموضوعين فالحكمين قهراً، غافلاً عن اندراج الأول في المكيل والموزون واندراج الثاني في المعدود وان هناك فرقاً حقيقياً([11]) بينهما وإن خفي عنا، أوجب اختلاف الحكمين.
وكذلك حكم الربا مع الضميمة المعتنى بها فلا بأس أو غير المعتنى بها – كعلبة الكبريت – فلا يجوز وهكذا.
ج- الاصفهاني: المقصود اختصاص الوجوه بالمضيقات
3- ما استظهره الميرزا الاصفهاني وهو (الظاهر كما قلنا ان السؤال كان عن حكم مسألة واحدة، ولما كان عدم التعويل على المنفصل فطريا ظاهرياً كان يتحقق الإطلاق والعموم في كل جواب، فعند تعدد الجواب عند اختلاف التقادير المفروضة تحقق الاختلاف فيها، فتحمَّل علي بن حنظلة تلك الأجوبة المختلفة، ولكن لما كان ظاهر كلامه إمكان ذلك في الأمر المضيق مَنَعَهُ الإمام عليه السلام عن ذلك التوهم فصرَّح بان المسألة التي سألها كانت من الأمر الموسع الذي يجري الكلام فيه من ولي الأمر على وجوه بحسب اختلاف الأشخاص والحالات والأوقات ثم حلف بان له عندي سبعين وجهاً وطوراً من الجواب، فهي صريحة في ان التورية والتكلم على سبعين وجها خاص بالأمر الموسع من الأحكام لا المضيّق منها فضلاً عن غير الأحكام)([12])
توضيحه مع إضافة:
حيث كان من الفطريات (لا مما بنى عليه العقلاء فقط)، ان المتكلم لو أراد خلاف ظاهر كلامه – من تقييد أو تخصيص أو مجاز أو... – فانه لا بد ان يأتي بقرينة متصلة إذا كان بصدد إفهام مراده الجدي، وعليه: فلو لم يأتِ بقرينة دل على ان الإطلاق مراد له فإذا أجاب الإمام بجواب أفاد انه كذلك على كل التقادير (للاطلاق اللفظي أو المقامي) فإذا وجدنا ان الإمام قد قَرن جوابه على شقٍ بأجوبة عديدة أخرى متخالفة كانت قرينة التقارن دليلاً على عدم الإطلاق في أيّ منها وانه في كل شقٍ أراد صورة خاصة بخصوصية خاصة، فمثلاً عندما قال: صل فريضة العصر إذا بلغ ظل الشاخص مثليه([13])، وصل عند الزوال – بعد الفراغ من الظهر – حُمِلا على مراتب الفضل إذ هما في الموسعات.
وحيث ان هذا واضح أيضاً في الجملة فقد انتقل علي بن حنظلة من كون هذا هو الحكم العام في الموسعات إلى كونه الحكم العام في المضيقات أيضاً فردعه الإمام ( عليه السلام ) - حسب كلام الميرزا – عن التعميم وأوضح له اختصاص الأجوبة المختلفة التي تلغي الإطلاق بباب الموسعات. وستأتي مناقشة بعض كلماته بإذن الله تعالى
شمول الموسعات والمضيقات للأحكام الوضعية
ولا بد من التنبيه على ان مورد الموسعات والمضيقات ليس خصوص الأحكام كما لعله ظاهر بعض الكلمات([14]) إذ يشمل الوضعيات أيضاً([15]) فان بعض الوضعيات موسعة وبعضها مضيق.
فمن الأول: ألفاظ النكاح من انكحتك نفسي أو زوجتك أو متعّتك
ومن الثاني: اشتراط الشاهدين في وقوع الطلاق فانه مضيق فلو تعسر الشاهدان لم يكتف بالواحد، وهكذا
ومن الموسعات: الواجبات التخييرية كخصال الكفارة فانها موسعة عكس التعيينية فانها مضيقة وكذلك الواجبات الكفائية كغسل الميت وكفنه ودفنه عكس العينية فانها مضيقة. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) محمد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد (بن يحيى العطار) عن محمد بن إسماعيل (بن بزيع) عن علي بن النعمان عن (عبد الله) بن مسكان عن عبد الأعلى بن أعين. ورجاله كلهم ثقاة.
([2]) وفي نسخة: فقال رجل.
([3]) بصائر الدرجات ص328 وبحار الأنوار ج2 ص197.
([4]) بصائر الدرجات ص 329 وبحار الأنوار ج2 ص198
([5]) الكافي ج3 ص274 ووسائل الشيعة ج4 ص136.
([6]) الأول والثالث من المتن.
([7]) في الجملة.
([8]) كتاب (المعاريض والتورية) ص20.
([9]) إذ معناه: من الواضح الذي أحكمناه عدم اختلاف المسألة باختلاف شقوقها إذ كيف يتوهم ذلك - أي عدم اختلاف المسألة باختلاف الشقوق -؟
([10]) أي يفخر بانه يعرف ذلك، إذ كيف يفختر مع ان الكل يعرف ذلك؟
([11]) ولعل من وجوهه: ان احتمال الغبن في المكيل والموزون كبير، لأن الاختلاف الكيفي لا ينضبط عكس المعدود فان منضبط بالعدد.
([12]) كتاب المعاريض والتورية ص20 – 21.
([13]) قال ( عليه السلام ) في موثقة زرارة (إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَكَ فَصَلِّ الظُّهْرَ وَ إِذَا كَانَ ظِلُّكَ مِثْلَيْكَ فَصَلِّ الْعَصْرَ) تهذيب الأحكام ج2 ص22
([14]) ككلام العلامة المجلسي والميرزا الاصفهاني السابق.
([15]) اللهم إلا لو قصدا من (الحكم) و(الاحكام) الأعم من الأحكام الوضعية.
السبت 15 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |