372- تتمة فقه الرواية ــ استعراض لعناوين العشرات من المسائل الفقهية أو الكلامية أو غيرهما ، والتي هي بحاجة إلى معالجة بأحد الوجوه الــ11 السابقة أو غيرها 1ــ كراهة الشراء من المحارَف 2ــ كراهة مخالطة الاكراد
الأحد 23 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
فقه رواية (ِمَا أَمَرْنَاكَ وَلَا أَمَرْنَاهُ إِلَّا بِأَمْرٍ وَسِعَنَا وَ وَسِعَكُمُ الْأَخْذُ بِه)
2- مدارة السائل
الصورة الثانية: ان يكون الجواب مداراةً للسائل، وعليه فالواقع واحد والتعدد إنما هو في مرحلة الظاهر، ومنه قول الإمام السجاد (عليه السلام ) لسائل سأله عن سبب عدم رؤيتنا لله تعالى فقال ما مضمونه: (لأنه لو رؤي لسقطت هيبته) فان من الواضح ان بعض الناس لا يمكنه فهم الجواب الواقعي وهو ان الله تعالى ليس بجسم ولا يمكن ان يُرى، وجوابه ( عليه السلام ) ظاهري لوضوح انه لا تصل النوبة لذكر الموانع أو المزاحمات مع عدم الاقتضاء وعدم إمكان الرؤية أصلاً.
والسبب في (المداراة) ان النفوس والعقول كالأبدان لها درجات من التحمّل، فكما ان بعض الأبدان لو وضع عليها ثقل مائة كيلو لناءت به بل قد ينكسر ظهره بذلك بينما البعض الآخر قد يتحمل رفع ثلاثمائة كيلو مثلاً، كذلك النفوس والعقول
3- إلقاء الاختلاف دفعاً للضرر الأعظم
الصورة الثالثة: ان يكون الجواب بغرض إلقاء الاختلاف بين الشيعة، خوفاً عليهم من ان يُعرفوا فيُؤخذوا أو ان يتّفقوا فتخشى السلطات بأسهم فتسعى لاستئصالهم عكس ما لو اختلفوا فتأمن جانبهم وتنشغل بغيرهم من أعدائها.
ولهذين العنوانين الأخيرين تفصيل يوكل إلى مظانه
والحاصل: ان قوله ( عليه السلام ) (وسعنا ووسعكم) يراد به – حسب المستظهر – كلتا السعتين: الواقعية والظاهرية بأقسامها الثلاثة
الفرق بين التصاريف والمعاني
قوله ( عليه السلام ) (تصاريف ومعاني) لعل التصاريف إشارة لتعدد الهيئات والعلل الصورية، ومنه أخذ علم الصرف، والمعاني إشارة لتعدد العلل المادية والمضامين.
فعلى الأول المعنى واحد والعبارات شتى، وعلى الثاني المعاني والمرادات متعددة
لِمَ لَمْ يؤذن لهم ( عليه السلام ) ببيان كل الأحكام الواقعية؟
قوله ( عليه السلام ) (وَلَوْ أُذِنَ لَنَا لَعَلِمْتُمْ أَنَّ الْحَقَّ فِي الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ فَرُدُّوا إِلَيْنَا الْأَمْرَ وَ سَلِّمُوا لَنَا وَ اصْبِرُوا لِأَحْكَامِنَا وَ ارْضَوْا بِهَا)([1]) الظاهر ان عدم الاذن يعود إلى أن إخبارهم بالحق يكون نقضاً للغرض، إذ مع علم السائلين بان الجواب ليس بواقعي بل لإلقاء الاختلاف فان كثيراً منهم قد لا يعمل به فيلزم نقض الغرض، ومع علم السائلين بان الجواب مداراتيّ فانه لا يأخذ به ويطلب غيره مما لا يتحمله، وكذلك مع علمه بان الجواب تقية فان بعضهم قد لا يعمل بها – كما هو المشاهد خارجاً - فيقع في الضرر الواجب دفعه.
عناوين العديد من الروايات والمسائل التي تحتاج إلى معالجة
والآن ننتقل إلى استعراض عناوين الكثير من الروايات والمسائل والتي لا بد من معالجتها باحدى الطرق الاحدى عشرة الماضية أو بغيرها مما سبقت الإشارة إليه هذا العام والذي سبقه، أو بغيرها جميعاً، وسيكون قسم([2]) منها من الروايات أو المسائل الفقهية والقسم الآخر من الروايات والمسائل الكلامية أو الاخلاقية أو العلمية أو غيرها.
والجامع: انه لا بد من ملاحظة الروايات: سنداً، وجهةً بأنواعها الثلاثة الماضية([3])، ودلالةً، وعلى ضوء (المعاريض) بتفسيراتها الأربعة: التورية، النظائر، ما يوازي الشيء ويحاذيه ويقع في شق منه وناحية، والإشارات الخفية أو ما لم يبيّن.
وملاحظة: ان هذه الروايات هل هي في مقام الفتيا أو التعليم؟ وهل القضية حقيقية أو خارجية؟ وهل هي إرشادية أو مولوية؟ وهل هي لجهة المقدمية أو النفسية والموضوعية أو المصلحة السلوكية؟ وهل هي من المعاريض والتورية؟ وما المراد بها؟ وهكذا
1- توجيهات رواية (لا تشتروا من محارَف)؟
فمنها: (لا تشتروا من محارف فان صفقته لا بركة فيها)([4])
وقال الإمام الصادق عليه السلام للوليد بن صبيح: (يا وليد لا تشتر لي من محارَف)
والمحارَف: يقع في مقابل المبارك وهو المنقوص من الحظ الذي لا ينمو له مال أي الفاشل في عمله والذي لا ينجح عادة أو غالباً([5])
لكن لِمَ ذلك وما ذنب المحارَف؟ وأليس الأولى التشجيع على مساعدته والأخذ بيده عن التثبيط من الشراء منه؟
فما هو تخريج هذه الرواية؟، خاصة انها باحد سنديها في الكافي صحيحة؟
فهل القضية خارجية؟ او انها إرشادية؟ أو لوحظت فيها جهة المقدمية؟ أو الأمر من باب التزاحم؟ أو المراد بـ(المحارف) معنى آخر؟ أو ههنا ثمتَ تورية؟
يترك هذا، كلواحقه، لتدبركم وتأملكم فان البحث تمريني بالأساس موكول إلى جهودكم واستفراغكم الوسع بإذن الله تعالى.
2- النهي في بعض الروايات عن مخالطة الأكراد
ومنها: عن أبي الربيع الشامي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: ان عندنا قوما من الأكراد وانهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم ونبايعهم فقال: يا أبا ربيع لا تخالطوهم فان الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم([6]).
وهنا سؤالان: لِمَ النهي عن مخالطتهم مع ان كثيراً منهم أخيار أطياب؟ ومع ان القوميات ملغاة في الإسلام؟
ثم كيف يصح القول انهم من (الجن) مع انهم من البشر؟
فما هي الوجوه في فقه هذه الرواية، على فرض صدورها؟
ولعل من مفاتيح حل الإشكال التدبر في كلمة (الأكراد) والمقصود منها، والتدبر في كلمة (الجن) والمراد بها، كما صنع السيد الوالد في الفقه، فتدبر جيداً. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) بحار الأنوار ج2 ص246.
([2]) لعلّها نصفها.
([3]) التقية، المداراة، إلقاء الخلاف.
([4]) الكافي ج1 ص373، الفقيه ج1 ص100.
([5]) ومن الضروري الإشارة إلى ان (البركة) من أهم الأمور التي تغير الكثير من المعادلات، فان الله تعالى مزج عوامل الغيب بالعوامل المادية
والغريب انه 1- مع ان كل حياة الإنسان قد تتوقف على البركة كما في الآية ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً) أو فقدانها مما عبر عنه في الآية بـ(نَحْسٍ) 2- ومع ورود العشرات من الروايات التي تتحدث عن البركة وعن أسبابها، مع ذلك لا نجد دراسات مستوعبة ولا كتباً معمقة ومبسطة (تفسيرية، روائية، فقهية، أخلاقية، اجتماعية، نفسية، فلسفية وغيرها) تتحدث عن فقه آيات وروايات البركة والنحوسة، وعن أسباب كل منهما الظاهرية والغيبية، وعن الحلول حسب إرشادات المعصومين، لمن سُلِب البركة في علمه أو أعماله أو ذريته أو غير ذلك؟ فمن الضروري الاهتمام بهذا الجانب شديد الأهمية وكتابة البحوث والدراسات عنه على ضوء الآيات والروايات وأيضاً: العلم والتجربة.
([6]) الكافي ج1 ص373 الفقيه ج1 ص100.
الأحد 23 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |