408- مناقشة الاستدلال على عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة ( التطبيقات امور حسية والمجتهد والمقلد فيها سواء ) بوجوه خمسة
الاحد 4 رجب 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
مناقشة الدليل علي عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة
سبق ما ذكره التنقيح[1] من ( لا ينبغي التوقف في عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة، لأن تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظره، فإن التطبيقات أمورٌ حسية والمجتهد والمقلّد فيها سواء، بل قد يكون العامي أعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلّد أن يتابع المجتهد في مثلها )[2] .
اقول: تردعليه مجموعة من المناقشات بين صغروية و كبروية :
1ــ ليست كل التطبيقات حسية
اولاً : ليست كل التطبيقات حسية ، حتي في الموضوعات الصرفة ؛ وذلك لجهات :
منها : ان التطبيق قد يدُقُّ عن الحس فلا تدركه الحواس لذلك، وذلك مثل ملاقاة الذرة[3] من النجاسة بناء عليٰ نجاستها كما هو المشهور ، بل نفس الذرة منها ؛ فان النجاسة كالبول والدم من الحقائق الحسية الا ان تطبيقها عليٰ بعض مصاديقها فقط هو الحسي ، أما البعض الآخر كالذرة منها فان تطبيقها عليه ليس بحسي، وكذلك الملاقاة لها فإنها امر حدسيٌ كمن حدس حدساً قطعياً أو مطمئناً به او مظنوناً او محتملاً[4] من القاء حجر في البول أو الدم ترشُّحَ ذراتٍ غير مرئية منه عليٰ ملابسه .
ومثل : كون بعض الالوان مانعاً عن وصول الماء للبشرة ، فإنه تطبيق لكنه غير حسي إذ بعض مراتب الحاجب لا تحس[5] .
ومنها : ما عاد فيه الشك في التطبيق الي الشبهة المفهومية ، كما في تطبيق طبيعي (الماء المطلق) عليٰ هذا المصداق لكونه من المياه الزاجية أو الكبريتية ، فإن هذا التطبيق أوعدمه ليس بحسي لعودته إليٰ الشبهة المفهومية للماء سعة وضيقاً.
والحاصل : انه من التطبيقات غير الحسية بلحاظ وصف الاطلاق وان كان بواسطة الشبهة المفهومية فتأمل .
2ــ الحسيات عليٰ درجات وضوحاً و خفاءاً
ثانياً : ان الحسيات عليٰ درجات وضوحاً و خفاءاً فليس كل المكلفين سواء فيها ، فيصح رجوع بعضهم للبعض الآخر فيها وليس المراد من التقليد الا هذا كما سيأتي بيانه ايضاً .
وهذه بعض الشواهد عليٰ المدعيٰ:
أ - ذهاب الحمرة المغربية ؛ فإن كثيراً من الناس لا يدركها عند حصولها بل بعده بفترة، اللهم الا الخبير الممارس وأهالي الصحراء والقرى .
ب - هلال أول الشهر ؛ فإنه قد يخفيٰ عليٰ الاكثر فيما يراه الأقل، وأكثر الشهور كذلك[6]
ج - كون هذا اللون مانعاً - ان لم نعده من امثلة الصورة الاوليٰ .
د - كون بعض المناطق من الاذن و الانف و اطراف العين ، من الباطن أو الظاهر[7] ، لا لشبهة مفهومية في معناهما بل للشك في المصداق وانه يعد عرفاً مما ظهر او بطن .
3ــ الحسي قد يبتليٰ بمانع أو يختلط بآخر
ثالثاً : ان الحسيَّ من التطبيقات قد يبتليٰ بمانع فلا يحَسّ ، أو قد يشتبه الحسّيان ، فلا يمِّيز بينهما الا اهل الخبرة فيصح الرجوع اليه .
وذلك مثل اشتباه دم الحيض بالبكارة في بعض الاحيان ، أو دم الحيض بالاستحاضة في بعض الصور او اشتباه المني بالوذي او الودي .
4ــ بعض التطبيقات حسية – حدسية
رابعاً : ان بعض التطبيقات حسية – حدسية .
وذلك مثل تكرر الحد الاوسط في بعض الصور ؛ فانه حسي لكونه مما يسمع اذ يلفظ أو يريٰ اذ يكتب ، كما انه حدسي اذ بالحدس يعلم عدم تكرره في موارد عديدة منها المشترك اللفظي
وذلك مثل ( زيد مؤمن والمؤمن لا يكذب فزيد لا يكذب او لايزني ) والنتيجة خاطئة مع صحة المقدمتين[8] وذلك اما لان للمؤمن اطلاقات[9] أو لأخذ قيدٍ في الكبريٰ[10] فلم يتكرر (المؤمن) بعينه فيهما .
وكذلك مثل قولك (الانسان له ملائكة تحيط به والملائكة المحيطة بالانسان مجردة) فان النتيجة وهي (فالانسان مجرد) خاطئة، وذلك لعدم تكرر الحد الاوسط لديٰ الدقة[11] .
ومثل : كون هذا الصوت مطرباً ام لا ؛ فانه حسي – وجداني ، فانه يختلف فيه الناس . فتأمل.
5- وبعضها حسيٌ طريقه الحدس
خامساً : وبعض التطبيقات حسية لكن طريقها قد يكون الحدس :
وذلك مثل ماء الشعير الطبي وغيره فان الطبي ما لم ينشّ وغيره ما نشّ ، وذلك حسيٌّ في حينه ، الا انه بعد ذلك فان الطريق اليه هو الحدس اذ لا يعرفه الا الخبير ؛ ولذا نجد عامة الناس يسألون عن ذلك .
والحاصل : ان مقتضيٰ القاعدة هي التفصيل حسب هذه الصور الخمسة[12] ، لا اطلاق القول بان التطبيقات حسية والمجتهد والمقلد فيها سواء
نعم ماسبق ينتج حجية[13] قول الخبير في الحسيات لا المجتهد غير الخبير، لكنه خلاف ظواهر كلامه ايضاً اذ ظاهره انه يريٰ ان الناس كلهم سواء في الحسيات لكون الحواس الخمسة مشتركة بينهم جميعاً فلا يرجع فيه بعضهم الى الآخر . وسيأتي مزيد توضيح ودفع دخلٍ باذن الله تعالى . وللحديث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - التنقيح / كتاب التقليد / ص349
[2] - راجع الدرس (108) من سلسلة مباحث الاجتهاد والتقليد- مبادئ الاستنباط – للسيد الاستاذ .
[3] - التي لا ترى .
[4] - على اختلافها في الحجية .
[5] - لا باللامسة ولا بالباصرة .
[6] - وذلك واضح من رؤية بعض – بل البعض الاقل – من المستهلِّين للهلال دون غيرهم .
[7] - في الوضوء والغسل .
[8] - اذ المؤمن بما هو مؤمن لا يكذب ، كما ورد ( لايزني الزاني وهو مؤمن )
[9] - اخص و اعم و عام، ففي الصغريٰ اريد الاعم أو العام وفي الكبريٰ اريد الأخص
[10] - بان قُصِد (والمؤمن بما هو مؤمن) اي بقيد الايمان
[11] - اذ الاوسط في الصغريٰ مع (له) دونه في الكبريٰ، ومثالهم المعروف: للجدران فئران وللفئران آذان فللجدران آذان !
[12] - بأن يقال: التطبيقات الحسية (لا مطلق التطبيقات) التي لا خفاء فيها والتي لم تُبتلَ بالمانع ولم تشتبه بحسيّ آخر والتي كانت حسية محضة لا حسية – حدسية، والتي لم يكن طريقها الحدس ، فبهذه القيود الناس فيها سواء أي اهل الخبرة والمجتهد والعامي ، فيها سواء فلا يصح التقليد ورجوع بعضهم لبعضهم فيها .
[13] - وسيأتي ان الحجية من باب الفتوى والتقليد ايضاً لا لخصوص كونه خبر الثقة فانتظر .
الاحد 4 رجب 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |