473- تفصيل المستمسك بين التكليفات الضمنية والوضعيات الضمنية (في الاقل والاكثرالارتباطيين وفي العنوان والمحصّل) وكذا حال التبعيض. ـ مسألة : التبعيض في التقليد في المتوافقين ادلة المجوزين.
الثلاثاء 14 ربيع الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(44)
تفصيل المستمسك بين الارتباطيين والعنوان والمحصِّل
ثم ان السيد الحكم في المستمسك فصّل ونقل التفصيل بين الوجوبات الضمنية وبين الوضعيات الضمنية فقال بجريان البراءة في الأولى دون الثانية.
وبعبارة أخرى – ومع بعض التصرف والإضافة والتوضيح لكلامه([1]): قال: ان المشهور ذهبوا إلى جريان البراءة عند الشك في وجوب جزء أو شرك في الارتباطيات رغم كون الاجزاء ارتباطية وكون فساد جزء أو عدمه موجباً لفساد الأجزاء بأسرها عكس الأقل والأكثر الاستقلاليين، وذلك لأن أصل البراءة تعبد شارعي بعدم اعتبار المشكوك جزءاً فهو حاكم أو فقل منقح للموضوع([2]).
وفي المقابل فان من الواضحات – ولعله إجماعي – عدم جريان البراءة لدى الشك في العنوان والمحصِّل فلو تعلق أمرٍ بعنوان كـ(فَاطَّهَّرُوا) في قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)([3]) وشك في ان غسل منطقةٍ من الاذن أو تحت الأظافر هي جزء أو شرط في تحقق الغُسل أو الوضوء الذي هو المحصّل لذلك العنوان المأمور به (وهو التطهر) فانه لا تجري فيه البراءة.
والحاصل: ان الأمر ان تعلق بالمركب اجروا البراءة لدى الشك في أجزائه وان تعلق بالغرض وبالناتج والمعلول لذلك المركب فانه لا تجري البراءة مع الشك في أجزائه (أي أجزاء ذلك المركب الذي هو محصّل وسبب لحصول المأمور به).
لكنه يشكل الفرق إذ لِمَ لا تجري البراءة في الصورة الثانية؟ فان البراءة حاكمة على الاشتغال إذ هي في رتبة السبب إذ ان الذمة اشتغلت بالمسبب والأثر وهو الطهارة من الحدث والخبث والاشتغال اليقيني وان اقتضى البراءة اليقينية إلا ان التعبد الشارعي بالبراءة في رتبة سابقة كاف إذ ان عدم اليقين بالبراءة لدى ترك جزء المحصل أو شرطه المشكوك فيه([4]) ناشئ من الشك في شرطية أمر في المركب المحصِّل فإذا رفعته البراءة الشرعية أو العقلية لكونه مصداق (رفع ما لا يعلمون) و(قبح العقاب بلا بيان) فلا شك في براءة الذمة وحصول امتثال الأمر بالأثر بعد تحقق كل أجزاء المحصِّل إلا المشكوك الذي حكم الشارع تعبداً بعدم مدخليته؟
فأجاب السيد الحكيم بالفرق بين الأحكام التكليفية والوجوبات الضمنية وبين الأحكام الوضعية والوضعيات الضمنية كالسببية في مثال العنوان والمحصل.
وإليك نص عبارته: (فإن قلت: ما الفرق بين المقام ومقام تردد الواجب بين الأقل والأكثر؟ فإن المشهور هناك: الرجوع إلى البراءة الشرعية في نفي وجوب الجزء المشكوك أو الشرط، مع جريان الإشكال المذكور فيه.
قلت: مبنى الرجوع إلى البراءة الشرعية هناك هو إمكان التفكيك بين الوجوبات الضمنية في التنجز وعدمه، فلو أمكن – أيضا – التفكيك بين السببية الضمنية فيهما أمكن الرجوع إلى البراءة الشرعية هنا، لكنه غير ظاهر، ولذا وقع القائلون بالبراءة في مقام دفع شبهة الغرض في حيص وبيص، مع أنها من قبيل ما نحن فيه.
ولم يكتفوا في دفع تلك الشبهة بالرجوع إلى البراءة الشرعية، بل التزموا في دفعها بوجوه أخرى مذكورة في محالها، وقد عُدّ من الواضحات وجوب الاحتياط عند الشك في جزئية شيء أو شرطيته للوضوء أو الغسل أو التيمم إذا كان الموضوع هو الطهارة الحاصلة من أحدها، ولم يكتف في البناء على حصولها بالرجوع إلى البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية المشكوكة، والوجه فيه: ما أشرنا إليه من عدم إمكان التفكيك بين الأحكام الوضعية الضمنية في التنجز وعدمه، بخلاف الأحكام التكليفية، فتأمل جيداً. وهذا هو العمدة في الإشكال على جريان الأصل المذكور)([5]).
لكن قد يسأل: هل هذا الفرق فارق؟ وهل هو إلا تكرار للمدعى بعبارة أخرى؟ وهل يكفي للتفريق تعليله السابق بالأصل المثبت؟ وهل هناك وجوه أخرى للتفريق وما هي؟ هذا ما نتركه لتحقيقكم فانه مبحث مبنائي دقيق يوكل لمظانه وقد أشرنا إليه لمجرد([6]) الانتقال منه إلى مورد البحث في مسألتنا وانه هل يجري هذا التفصيل أم لا فنقول:
ان التبعيض في التقليد جائز وصحيح في كلتا المسألتين (أي الأقل والأكثر الارتباطيين والعنوان والمحصّل) لو لم تلزم منه مخالفة قطعية للواقع أو للرأيين وذلك لان له عليه حجة وهي رأي احدهما([7])، وغير جائز في كلتا المسألتين لو لزمت منه مخالفة قطعية للواقع أو للرأيين لما ذكرناه من عدم إطلاق الأدلة اللبية وإنصراف غيرها. فتدبر جيداً
مسألة: التبعيض في التقليد في المتوافقين
ثم انه لو اتفق الأعلم وغيره على رأي فهل يجوز التبعيض في التقليد بان يقلد فيما اتفقا عليه غير الأعلم لفرض اتفاقهما في النتيجة والحكم ويقلد فيها عداها (أي في موارد الاختلاف أو موارد الشك فيه) الأعلم؟
خلافٌ، فقد ذهب صاحب العروة إلى الاحتياط بالعدم وأفتى بذلك بعض الأعلام، وذهب المشهور إلى الجواز.
قال في العروة في المسألة 18 (الأحوط عدم تقليد المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل)([8])
وقال السيد صادق الروحاني (بل الأقوى)
فيما ذهب الاعلام: النائيني والعراقي والجواهري والسيدان الوالد والعم وغيرهم إلى الجواز.
فلا بد من ملاحظة أدلة الطرفين.
أدلة المجوزين للتبعيض في المتوافقين
استدل المجوزون لتقليد المفضول، حتى مع القول بوجوب تقليد الأعلم، فيما لو اتفق الرأيان، بوجوه:
الأول: عينية تقليد المفضول لتقليد الأفضل.
قال الميرزا النائيني (الأقوى جواز تقليد المفضول في هذه الصورة، بل الظاهر انه بعينه تقليد الأفضل، ولا يخرج بقصد الغير عن كونه تقليداً له)([9]).
ويوضحه: ان التقليد أمر ثبوتي والقصد أمر إثباتي ولا يتغير الثبوتي بتغير الإثباتي وستأتي المناقشة باذن الله تعالى.
الثاني: عينية فتوى المفضول لفتوى الأفضل
قال السيد العم (أنّ التعبير بالفتويين مسامحة، إذ ليستا فتويين، بل فتوى واحدة صادرة عن شخصين، فالاستناد إلى هذه الفتوى استناد إلى تلك، كما ذكره المحقّقان: النائيني في حاشية العروة([10])، والعراقي في أُصوله كما تقدّم)([11])
والفرق بين كلامه والميرزا هو ان الميرزا ارتأى عينية التقليد والسيد العم ارتأى عينية الفتوى، والتقليد فعل القابل والفتوى فعل الفاعل والفتوى متقدمة على التقليد وجوداً ذاتاً وزمناً. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) فلاحظ الفوارق بين ما نقلناه عنه بالإضافات وكلامه الذي سننقل نصه وتدبر.
([2]) أي لاجزاء المركب أو شرائطه، بعدم كون هذا جزءاً أو شرطاً.
([3]) المائدة: 6.
([4]) أي المشكوك شرطيته أو جزئيته.
([5]) مستمسك العروة الوثقى ج7 ص217-218.
([6]) على انه قد اتضح من الدرس السابق وجه للجواب والتفريق. فتدبر فيه جيداً.
([7]) والحجة (وهو رأي أحدهما) دليل، والبراءة أصل فأين هذا من ذاك؟ واما مانع المعارضة فقد أجبنا عنه بالتفصيل في آخر كتاب (شورى الفقهاء) وسنعقد له إنشاء الله مسألة مستقلة.
([8]) العروة الوثقى ج1 ص22.
([9]) العروة الوثقى ج1 ص22.
([10]) العروة الوثقى مسألة 18.
([11]) بيان الفقه في شرح العروة الوثقى الاجتهاد ج2 ص85.
الثلاثاء 14 ربيع الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |