294- وجوه صرفية اربعة للجواب عن اشكال ان التناجش خاص بصورة التقابل ـ بحث الرواية سنداً
السبت 24 ربيع الثاني 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(18)
التناجش أخص مطلقاً من النجش
ثم انه قد يقال ان التناجش أخص مطلقاً من النجش لأن الأصل في باب التفاعل التقابل فلا يصح الاستدلال بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ((لَا تَنَاجَشُوا وَ لَا تَدَابَرُوا))([1]) على عموم حرمة النجش، فتختص حرمة النجش بإحدى صورتين: اما ان يزيد اثنان فصاعداً في ثمن السلعة... الخ أو ان يمدح اثنان فصاعداً السلعة، واما ان يمدح أحدهما المثمن والآخر الثمن أو ان يزيد احدهما في قيمة السلعة والآخر في قيمة الثمن كما لو كانا بضاعتين كما لو باع داره مقابل ألف شاة، وفي الصورتين يصدق التناجش وباب التفاعل لكنهما أخص من المدعى وهو حرمة النجش مطلقاً إضافة إلى ان الصورة الثانية (بعيدة) عن ظاهر المراد بـ(النجش والتناجش) كما قاله الايرواني ولعل بُعدها لندرتها وغلب غيرها غلبة موجبة للانس الذهني بها فالانصراف إليها عنها.
الأجوبة:
ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بأحد وجوه أربعة صرفية:
1- باب التفاعل قد يراد به المجرد
الأول: ان باب التفاعل قد يراد به (المجرد) ومنه قولك (تعالى الله وتسامى) فان المراد به علا وسما([2])
وقد يجاب بان هذا المثال وإن صح إلا ان كون التفاعل بمعناه نادر أو قليل لا يصار إليه إلا بقرينة.
وقد يردّ هذا بان القرينة موجودة وهي ان كلّا من الناجش والمنجوش عليه كأنه يعلو على الآخر فهذا يزيد وذاك يزيد أو هذا يحاول الزيادة وذاك يحاول النقيصة – وهما صورتان من صور المناجشة -، أو يقال: ان كلّا منهما يثير الآخر إلى خلاف ما يريده والإثارة هي الموضوع له الأصلي للنجش إذ نَجَشَه أي أثاره كما سيأتي. فتأمل
2- وقد يكون بلحاظ المجموع
الثاني: ان باب التفاعل قد يكون بلحاظ المجموع لا كل فرد فرد، وعليه فإذا نجش زيد عمرواً ونجش بكر خالداً ونجش سالم سويلماً فانه يصدق ان القوم تناجشوا.
والسر في ذلك، الذي به برهانه، ان الخطابات على قسمين:
فتارة تكون موجهة إلى شخصين فههنا يتوقف استعمال باب التفاعل على المقابلة والمشاركة وقيام كل منها بعكس ما يقوم به الآخر.
وتارة يكون الخطاب قانونياً موجهاً إلى النوع كما في (لا تناجشو) و(لا تدابروا) و(تعاونوا على البر والتقوى) و(لا تباغضوا) و(تكافلوا) وغيرها وهنا فان التقابل وإن سلمنا اشتراطه في التفاعل – عكس الوجه الأول – إلا انه يتحقق بكون هذا حاسداً لذاك والثالث للرابع والخامس للسادس وهكذا ولا يتوقف على التقابل الشخصي بين كل اثنين اثنين، ولذا نجد انه يصدق بالحمل الشائع الصناعي ان القوم تحاسدوا فيما إذا حسد الأول الثاني والثالث الرابع والخامس السادس وان لم يحسد الثاني الأول والرابع الثاني وهكذا.
والحاصل: ان صحة الحمل وعدم صحة السلب دليلان على كون هذه الصورة حقيقةً.
ج – وقد يكون بلحاظ الطبيعة
الثالث: ان باب التفاعل قد يكون بلحاظ الطبيعة لا الفعلية وهو ما ذكره السيد الوالد u من (التناجش مثل المواراة والمقاتلة([3]) وغيرهما لأن طبيعة هذا العمل ان يفعل كل منهما ذلك بالآخر كما هو المشاهد في أسواق بيع المزاد ونحوها).
وبعبارة أخرى: (التفاعل) قائم اما بصدور الفعل من كل منهما تجاه الآخر بالفعل، أو بكون طبيعة العمل التقابل وان لم يكن التقابل فعلياً.
لكن الظاهر في الأسماء ومنها الصِيغ والتصريفات انها موضوعة للفعلي لا للطبعي والاقتضائي. فتأمل
د- وقد يأتي للتعاقب لا التقابل
الرابع: ان التفاعل قد يأتي للتعاقب لا للتقابل أي للوقوع تدريجاً كقولك (توارد القوم) أي وردوا واحداً بعد الآخر، ولا يراد ان هذا ورد على ذاك وبالعكس، وكذلك (التناجش) فانه صادق بلحاظ ان النجش يقع واحداً بعد آخر فان ذلك هو المتداول إذ يقوم احدهم بعرض سلعة فينجش الناجش له ثم يعرض سلعة أخرى... وهكذا.
تنبيهان:
ثم ان من الواضح ان خصوصية المادة أو المتعلَّق قد تكون هي الموجبة لصرف باب التفاعل – وغيره من الأبواب – إلى احد المعاني السابقة وغيرها كما في تعالى الله أو توارد القوم، إلا انه لا خصوصية خاصة في مادة النجش بحيث تصلح قرينة على إحدى المعاني.
والمرجع العرف، وليست أقوال الصرفيين إلا طريقاً إليه، ولو تعارضت معه لقُدِّم.
والظاهر ان المستفاد من التناجش عرفاً الأعم من التقابل الشخصي أو المجموعي – وهو المعنى الثاني -
سند الرواية
وأشكل في فقه الصادق على سند الرواية بقوله (وفيه: انه ضعيف السند، إذ في طريقه علي بن عبد العزيز المجهول، واعتماد الاصحاب عليه غير معلوم، فلا وجه لدعوى الانجبار)([4]).
أقول: الظاهر تمامية السند:
أولاً: لأن علي بن عبد العزيز ليس مجهولاً إذ قد عَدّه الشيخ الصدوق في مشيخة من لا يحضره الفقيه، من المعتمدين. كما يؤيد وثاقته كون مضامين رواياته حسنة معتمدة([5])
ثانياً: يكفي اعتماد الأصحاب على الرواية وإن لم يعتمدوا على الراوي لكفاية الوثوق بها وإن لم يوثق به، بعبارة أخرى الملاك هو الوثوق بالرواية واحدى الطرق إليه هو الوثوق بالراوي من غير حصر به، كما ان الظاهر ان عمدة الأصحاب اعتمدوا في حرمة النجش على رواياته لا على الأدلة العامة السابقة([6]) فتدبر
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) معاني الأخبار ص284.
([2]) وكذلك (تقادم الزمن) فان المراد به قدم وأصبح قديماً لكن قد يقال: ان التعبير بالتقادم لنكتة أدبية مستبطنة وهي افتراض ان قِطَع الزمن – كالساعات والأيام – تسابقت فيما بينها في التقادم والانصرام.
وكذلك (تسامح زيد) فان المراد به (سمح) ولكن قد يكون الوجه في التعبير بالتفاعل، ان نفسه نازعته إلى التشديد فنازعها إلى التسامح فغلبها بل لعل التعبير بـ(تعالى) أيضاً لنكتة أدبية حيث ان العادلين بالله جهلوا وضلوا فادعوا العلو على الله فتعالى الله عليهم. فتأمل
([3]) المقصود ان التفاعل كباب المفاعلة وغيرهما.
([4]) فقه الصادق ج14 ص465-466.
([5]) راجع مستدركات علم رجال الحديث/ علي بن عبد العزيز.
([6]) وهي أدلة: لا ضرر والغش والكذب والمغالبة وقبحه عقلاً.
السبت 24 ربيع الثاني 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |