||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 71- (إهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )-5 نقد الهرمونطيقا ونسبية المعرفة من ضوابط الوصول للحقيقة

 337-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (12) فقه المجتمع في دائرة آية العدل والإحسان

 253- مباحث الاصول: (الحجج والأمارات) (11)

 133- فلسفة التفاضل التكويني: 4- معادلة التناسب بين الامتيازات والمواهب وبين المسؤوليات والمناصب

 155- الانذار الفاطمي للعالم الاسلامي وكافة البشر

 342- فائدة فقهية حكم العقل بقبح مطلق الكذب

 469-فائدة فقهية: بعض وجوه حل التعارض في روايات جواز أمر الصبي

 434- فائدة أصولية: استصحاب العدم الأزلي

 82- (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)-7 مناشئ تولد حق السلطة والحاكمية موقع (الجيش) في خارطة الدولة (2)

 175- مباحث الأصول: (مبحث الأمر والنهي) (4)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23954972

  • التاريخ : 18/04/2024 - 22:52

 
 
  • القسم : (1436-1435هـ) .

        • الموضوع : 17- 7ـ (التعلم) هو المصدر الاساس لمعرفة الحقائق الرياضية، وليس خلق العقل لها 8ـ ان خلق العقل للنموذج المعياري يستلزم وجود نموذجين او حقيقتين في العقل كلما فكر في حقيقة رياضية 9ـ كلامه عن خالقية العقل وعن الحسية كلاهما مناقض لكلامه الآخر عن (المعرفة الحدسية والبرهانية) .

17- 7ـ (التعلم) هو المصدر الاساس لمعرفة الحقائق الرياضية، وليس خلق العقل لها 8ـ ان خلق العقل للنموذج المعياري يستلزم وجود نموذجين او حقيقتين في العقل كلما فكر في حقيقة رياضية 9ـ كلامه عن خالقية العقل وعن الحسية كلاهما مناقض لكلامه الآخر عن (المعرفة الحدسية والبرهانية)
الثلاثاء 7 شعبان 1436هـ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
دروس في أصول العقائد
(مباحث المعرفة)
(17 - الجزء الاول)
7- التناقض الصارخ بين آراء لوك
ثم إن التخريج الذي توصل إليه لوك عن الحقائق الرياضية والأخلاقية وهو (إن العقل صانع لها) يناقض تصريحه الواضح الجلي الذي ذكره في بدايات كتابه، فقد قال: (لنفرض أن العقل صفحة بيضاء خالية من أية كتابات ودون أية أفكار... فمن أين حصل على كل مواد التفكير والمعرفة؟، والجواب بكلمة واحدة: من التجربة، ففي التجربة تقوم كل معرفتنا ومنها تستمد، وأن الملاحظة التي تنصب إما على الأجسام المحسوسة الخارجية وإما على عمليات العقل الداخلية التي ندركها ونتأملها هي التي تزود أذهاننا بكل مواد التفكير. هذان هما المصدران الوحيدان للمعرفة، منهما تنشأ كل الأفكار التي نحصل عليها والتي يمكن أن نحصل عليها([1])، وعليه فأفكارنا ترجع إلى مصدرين هما الإحساس والتأمل.
فأفكارنا من حيث مصدرها نوعان: أفكار الإحساس Ideas of Sensation، وأفكار التأمل Ideas of Reflection، فأما أفكار الإحساس فتأتي إلى العقل من الأجسام الخارجية عن طريق الحواس مثل أفكار الأصفر والأبيض والحرارة والبرودة والليّن والصلْب، والمر والحلو وكل ما نطلق عليه اسم الصفات المحسوسة.
وأما أفكار التأمل فتأتي إلى العقل من إدراك العقل ذاته لعملياته الخاصة.
فحين يتأمل العقل عملياته، فإنه يزود الفهم بمجموعة من الأفكار لا يمكن أن يحصل عليها من الأجسام الخارجية، مثل أفكار الإدراك والتفكير والشك والاعتقاد والاستدلال والمعرفة والإرادة وكل أعمال العقل المختلفة. يقول لوك (إن الأشياء المادية الخارجية باعتبارها موضوعات الإحساس، وعمليات العقل في الداخل من حيث هي موضوعات التأمل هي الأصول الوحيدة التي تنشأ منها أفكارنا)([2]) وليس في العقل أية أفكار لم تستمد من غير هذين المصدرين: فإن الأجسام الخارجية تزود العقل بأفكار الصفات المحسوسة وهي الإدراكات المختلفة التي تحدثها فينا هذه الأجسام، وأما العقل فيزود الفهم بالأفكار عن عملياته الخاصة)([3])
هل الحقائق الرياضية معرفة أو مجهلة؟
أقول: عبارته صريحة جداً (فمن أين حصل على كل مواد التفكير والمعرفة، والجواب بكلمة واحدة: من التجربة، ففي التجربة تقوم كل معرفتنا ومنها تستمد) و(وأن الملاحظة التي تنصب إما على الأجسام المحسوسة الخارجية وإما على عمليات العقل الداخلية التي ندركها ونتأملها هي التي تزود أذهاننا بكل مواد التفكير. هذان هما المصدران الوحيدان للمعرفة)، وهنا يبرز الإشكال الكبير وهو: هل أفكارنا عن الحقائق الرياضية والحقائق الأخلاقية، هي معرفة أو هي جهل ومجهلة؟ لا شك أن لوك سيجيب ـ وكل عاقل ـ بأنها معرفة، بل انها من أمهات المعارف الإنسانية على الإطلاق:
الحياة قائمة على الحقائق الرياضية والأخلاقية فكيف لا تكون معارف؟
فإن حياتنا كلها تقوم على الحقائق الرياضية ـ من هندسة وحساب ـ والأخلاقية، فإن من البديهي أن لولا معرفة المعادلات الهندسية البسيطة والمعقدة لما أمكنت صناعة الطائرات والسفن والسيارات والمعامل والمصانع وأجهزة الحاسوب وغيرها بل وحتى بناء البيوت العادية فإنها مبنية على معرفة هندسية وإن كانت مبسطة وإلا لانهار السقف على من فيه خلال أيام أو ساعات، كما أن حياتنا تبتنى على أفكارنا عن الأخلاق فلولا أفكارنا عن الأخلاق لكان العدل قبيحاً، وكان الظلم والقتل وهتك الأعراض والاغتصاب والسرقات والاستبداد و... حسناً، إلى غير ذلك.
ومع أن هذه المعارف هي من أهم المعارف على الإطلاق إلا أنها لم تأت إلى العقل عن طريق الحواس كما اعترف به ـ في تصريحات نقلناها سابقاً ـ لكن حيث إنه لا يستطيع إنكار أنها معارف يحيط بها العقل لذا لجأ إلى تخريجة أنها معارف صنعها العقل وليس أدركها العقل، وعليه: فان محصلة نظريته (فمن أين حصل على كل مواد التفكير والمعرفة، والجواب بكلمة واحدة: من التجربة، ففي التجربة تقوم كل معرفتنا ومنها تستمد) ولكن طرأ عليها تطوير أو تغيير فقال إن بعض معارفنا لا تستمد من التجربة بل هي من صنع العقل نفسه، وذلك لأنه اعترف للعقل بدور مباشر - غير مستند للحواس - في المعرفة لكنه أبى عن أن يسميه إدراكاً وحصولاً لدى العقل بل سماه صنعاً للعقل، وأيّ فرق - في جوهر الأمر([4]) - مادمنا في الرياضيات والأخلاقيات قلنا بأنها غير مستمدة من التجربة، بين أن نقول: خلقها العقل أو ان نقول: أدركها العقل؟! المهم أن العقل أضحى موازياً للتجربة في الإحاطة بالمعارف وإن كان تحت عنوان أنه خلق المعرفة لا أنه أدركها؟ والمهم – وهذا هو بيت القصيد – ان هذا يعد انقلابا على النظرية الحسية – حسب تصريحاته السابقة – والتي ترى ان الحواس هي المصدر الوحيد للمعرفة إذ صار العقل مصدراً آخر لها (وإن سمّاه خالقاً لها).
هل تراجع لوك عن نظريته أو ناقضها؟
وبعبارة أخرى: لابد للوك ومن تبعه من الحسيين من أحد خيارين، فإما أن يعترف بالتراجع عن صدر نظريته: (والجواب بكلمة واحدة: من التجربة) و(ففي التجربة تقوم كل معرفتنا ومنها تستمد) و(هذان هما المصدران الوحيدان للمعرفة).
وإما أن يعترف بالتناقض بين هذا الصدر وبين ما التزمه من خالقية العقل للمعارف الرياضية والأخلاقية.
ونرى أن الأجدر به أن يقول بأنه طوّر نظريته الحسية بمرور الزمن - إذ إنه ألّف كتابه خلال عشرين عاماً - وهذا هو الأوفق بسياق ما نعلمه عن تطور الفكر البشري، ولكنه على هذا كان عليه أن يعود فيعدل عباراته في صدر الكتاب إلى: (والجواب بكلمة واحدة من التجربة ومن ما يخلقه العقل) و(هذان إضافة إلى خالقية العقل هي المصادر الثلاثة للمعرفة) وعلى هذا تكون النتيجة النهائية هي أن النظرية الحسية لم تعد نظرية حسية! وأن لوك جردّها من مضمونها بنفسه وأنه انتقل من خانة الحسيين إلى خانة الحسيين - العقليين لكن عبر تعبير ملطف هو خالقية العقل لا مدركية العقل!
ومن الواضح اننا باعتبارنا عقليين – فطريين – حسيين، نرحب بهذه النتيجة التي نعدها خطوة للأمام والتي ينبغي ان يعقبها الاذعان بدور الفطرة والإلهام لتتكامل الحلقات قال تعالى: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) وقال: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) ، وذلك هو ما سنبحثه في فصل مستقل بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=========================
=========================
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم.
دروس في أصول العقائد
(مباحث المعرفة)
(17 - الجزء الثاني)
8- نظرية خالقية العقل تستبطن وجود فكرتين عند كل فكرة!
ان نظرية خالقية العقل للحقائق الرياضية والأخلاقية (لأنها نماذج من صنع العقل ذاته...) كما قال جون لوك، تعاني من أنها تستبطن ضرورة وجود فكرتين دائماً عند وجود فكرة واحدة عن أية حقيقة رياضية أو غيرها، وذلك لأننا نسأل مخترع نظرية خالقية العقل للحقائق الرياضية وكونها نماذج معيارية: هل إن العقل يخلق في البداية نموذجاً معيارياً للمثلث ولمساواة زواياه لقائمتين أو لـ (واحد زائد واحد يساوي اثنين) أو غير ذلك، ثم إنه طوال الخمسين سنة القادمة ـ مثلاً ـ من حياة المفكر ـ كلما فكّر في المثلث وفي أحكامه الهندسية (كمساواة زاويتيه للقائمتين) يستحضر ذلك النموذج الذي خلقه أولاً فيرى النموذج الحالي مطابقاً للنموذج المعياري فيعرف أن فكرته عن المثلث وأحكامه حقيقية وواقعية؟
أو أنه كلما فكر في المثلث وأحكامه اضطر أن يخلق من جديد نموذجاً معيارياً ثم إنه يفكر في المثلث وأحكامه ويقوم بمطابقة تفكيره مع نموذجه الذي صنعه للتوّ فيعرف أن قضيته واقعية؟
إن كلا الخيارين مما يستسخفه العقل ويكذبه الوجدان وتكذبه التجربة العقلية أيضاً!
ثم إنه على كل تقدير فإن كل هذه العملية (صناعة العقل لنموذج معياري كل مرة ثم تطبيقه لفكرته الحالية عن الحقيقة الرياضية عليه، أو صناعته لنموذج معياري عام أولاً ثم الرجوع إليه كل مرة، أو حتى القول – وهذا خيار ثالث - بأنه يصنع نموذجاً معيارياً ويكتفي به فيكون تفكيره به وصنعه له أمراً واحداً ـ على أنه محال لاستلزامه تقدم الشيء على نفسه وتوقفه على نفسه) إنما هي عملية عقلية خالصة أولدت معرفة خالصة ولم تستند إلى الحواس أبداً فلم تكن الحواس هي مصدر المعرفة الوحيد!
وبعبارة أخرى: يشكّل ذلك إذعاناً بأن مصدر المعرفة هنا هو من العقل وبالعقل لا من الحس إلى العقل ولا من العقل بالحس ولا من العقل والحس معاً.
9- نظريته عن خالقية العقل تناقض نظريته عن المعرفة الحدسية والبرهانية!
وهناك تناقض اخر نلحظه في نظريته عن خالقية العقل فانها تناقض نظريته المعرفة الأخرى عن المعرفة الحدسية والمعرفة البرهانية كما أن هذه النظرية (عن المعرفة الحدسية والبرهانية) تناقض في الوقت نفسه نظريته الحسية العامة، فنظريته عن المعرفة الحدسية والبرهانية إذاً تناقض نظريتين اخريين له فهذا إشكال مزدوج:
المعرفة الحدسية
فلنلاحظ ما يقوله بدقة: (وتختلف المعرفة من حيث درجة وضوحها، وهذا يعتمد على الطريقة التي نحصل بها على المعرفة، وتنقسم المعرفة من هذه الناحية إلى أنواع ثلاثة:
أ- المعرفة الحدسية Intutitive Knowledge وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل نتيجة إدراكه ما بين الأفكار من توافق أو عدم توافق مباشرة وبدون تدخل أية فكرة)([1]) إذاً هي معرفة يحصل عليها العقل نتيجة إدراكه... وليس نتيجة خالقيته، ويؤكد ما ذكرناه ما شرحه به شارحه (وفي هذه الحالة يدرك العقل صدق المعرفة مباشرة كما يدرك البصرُ الضوءَ. وعلى هذا النحو يعرف العقل أن الأبيض ليس أسود، وأن الدائرة ليست مثلثاً وثلاثة أكثر من اثنين، وتساوي واحداً واثنين، وهذا النوع من المعرفة يُكتسب بالحدس وهو أصدق أنواع المعرفة وأوضحها، وعليه يعتمد كل ما لمعرفتنا من وضوح ويقين..)([2]).
وهذا كله مع ملاحظة انه لا مناص له إلا ان يلتزم بان المعرفة الحدسية كالمعرفة البرهانية، كلتاهما مخلوقة للعقل، لجريان ما ذكره عن البرهانية في الحدسية بعينه إذ أي فرق بين (الدائرة ليست مثلثاً) والمثلث زواياه تساوي قائمتين في انها (نماذج من صنع العقل ذاته...) بل ان عموم كلامه يشمل الأمرين وفلسفة كلامه أيضاً عامة للأمرين.
المعرفة البرهانية
هذا عن المعرفة الحدسية، وأما المعرفة البرهاينة فعنها يقول: ( ب- (المعرفة البرهانية Demonstrative Knowledge وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل حين يدرك ما بين فكرتين من توافق أو عدم توافق لا بصورة مباشرة بل بتوسط أفكار أخرى.) وليس أن العقل يخلقها، وهذا ما يؤكده الشارح أيضاً (فمثلاً إذا أراد العقل أن يعرف المساواة أو عدم المساواة بين زوايا مثلث وبين زاويتين قائمتين فإنه لا يستطيع مقارنة هاتين الفكرتين مباشرة، فلا يستطيع أن يحصل على معرفة حسية عن العلاقة بينهما... ولذلك يستعين بزوايا أخرى مساوية لزاويتين قائمتين من جهة ولزاويا المثلث من جهة أخرى، وبذلك يعرف أن زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين)([3])
إذاً مساواة المثلث لزاويتين قائمتين ـ ومثلها كل الحقائق الرياضية ـ تارة اعتبرها معرفة برهانية يحصل عليها العقل حين الإدراك وأخرى اعتبرها (نماذج من صنع العقل ذاته ولم يكن القصد منها أن تكون نسخاً لأشياء، ولا أن تشير إلى أشياء تعتبر أصولها، ولذلك فلا تفتقر إلى المطابقة الضرورية للمعرفة الحقيقية، فإن ما لم يقصد به أن يمثل شيئاً عدا ذاته، لا يمكن أن يطابق شيئاً آخر، بل ولا يمكن أن يوصلنا إلى فهم حقيقي لأي شيء بسبب ما بينهما من اختلاف)([4]).
ولو أنه التزم بمبناه من صانعية العقل للحقائق الرياضية لكان يجب أن يقول (المعرفة البرهانية وهي المعرفة التي يخلقها العقل ويوجدها بين فكرتين) بدل (وهي المعرفة التي يحصل عليها العقل حين يدرك ما بين فكرتين...) أو أن يعكس فيقول (لأنها نماذج أدركها العقل بذاته) بدل (لأنها نماذج من صنع العقل ذاته).
10- وتناقض نظريتُه عن المعرفة الحدسية والبرهانية نظريته الحسية!
 ومن جهة أخرى فإن كلامه عن المعرفة الحدسية والبرهانية يناقض تماماً ما صرح به في أوائل كتابه من أن المصدر الوحيد للمعرفة هو التجربة إذ قال (لنفرض أن العقل صفحة بيضاء خالية من أية كتابات ودون أية أفكار... فمن أين حصل على كل مواد التفكير والمعرفة؟، والجواب بكلمة واحدة: من التجربة، ففي التجربة تقوم كل معرفتنا ومنها تُستمدُّ، وأن الملاحظة التي تنصب إما على الأجسام المحسوسة الخارجية وإما على عمليات العقل الداخلية التي ندركها ونتأملها هي التي تزود أذهاننا بكل مواد التفكير. هذان هما المصدران الوحيدان للمعرفة، منهما تنشأ كل الأفكار التي نحصل عليها والتي يمكن أن نحصل عليها([5])، وعليه فأفكارنا ترجع إلى مصدرين هما الإحساس Sensation والتأملReflection )([6]).
ولا يتوهم اندراج المعرفة الحدسية والبرهانية في دائرة أفكار التأمل لأنه فسر أفكار التأمل بـ(وأما أفكار التأمل فتأتي إلى العقل من إدراك العقل ذاته لعملياته الخاصة. فحين يتأمل العقل عملياته، فإنه يزود الفهم بمجموعة من الأفكار لا يمكن أن يحصل عليها من الأجسام الخارجية، مثل أفكار الإدراك والتفكير والشك والاعتقاد والاستدلال والمعرفة والإرادة وكل أعمال العقل المختلفة.) وبتعبير لوك نفسه: (إن الأشياء المادية الخارجية باعتبارها موضوعات الإحساس، وعمليات العقل في الداخل من حيث هي موضوعات التأمل هي الأصول الوحيدة التي تنشأ منها أفكارنا)([7]).
الأب الروحي للحسية ابتدأ حسياً وانتهى عقلياً ـ حسياً!
ونرجع مرة أخرى فنقول: إن كلام لوك عن صانعية العقل للحقائق الرياضية والأخلاقية وكلامه عن المعرفة الحدسية والمعرفة البرهانية، قد أفرغ – في واقع الأمر - النظرية الحسية عن محتواها تماماً مما شكل تراجعاً كاملاً عن النظرية الحسية يتجلى كلما تقدمنا في كتابه أكثر فأكثر لكنه تراجُعٌ تحت مسمى (خالقية العقل) و(المعرفة الحدسية والبرهانية) هذا إن لم نقل إنه ناقض نفسه مرتين!
ولعل الأصح أن نقول: إنه بدأ حسياً وانتهى حسياً ـ عقلياً وإن أخطأ في تخريج ما يجري في العقل عند تطرقه للمعادلات الرياضية والقضايا الأخلاقية لحل معضلة كيفية معرفة المطابقة و(فكيف نعرف ان هذه الأفكار تطابق ذاتها)([8])، فاعتبر العقل خالقاً لتلك الحقائق لا مدركاً لها.
وعليه: فإن المدرسة الحسية تكون قد خسرت أكبر داعية اشتهر بالدعوة للمذهب الحسي وهو جون لوك الأب المؤسس لها في العصر الحديث.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
========================

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الثلاثاء 7 شعبان 1436هـ  ||  القرّاء : 6773



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net