139- فرع: زوال الحق بزوال موضوعه او تبديله او نقل متعلَّقه ـ بحث حول صحة المصالحة على حق الدعوى والمرافعة
الاثنين 10 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(139)
فرعُ: سقوط الحق بزوال موضوعه أو تبديله أو نقل متعلَّقه
قال السيد اليزدي: (واعلم أنه قد ينتقل الحق إلى الغير بنقل متعلقه كما أنه قد يسقط بتفويت موضوعه أو تبديله وهذا ليس من النقل أو الاسقاط الذي هو محل الكلام)([1]).
أقول: الموضوع قد يفوت بنفسه بزواله موضوعه وانعدامه أو تبدّله وقد يُفوَّت أي أنه قد يزول وقد يُزال، وعلى كلا التقديرين يسقط الحق للسالبة بانتفاء الموضوع سواء أكان انتفاؤه حقيقياً أو حكمياً.
نعم إذا فوّته من لا يحق له تفويته فقد يلزمه الضمان أو غيره في بعض الصور.
ومن أمثلته: ما لو أكل ما اشتراه بخيار الشرط أو المجلس أو اتلفه أو ذبحه، وكذا لو وهب أو باع الأصيل ما وكّل شخصاً في بيعه أو هبته، وكذا لو طلّق زوجته بائناً أو رجعية فبعد العدة لا نفقة لها عليه، وكذا لو خرج الكافر عن الذمة.
ومن الأمثلة المعاصرة: ما لو أسقطت الدولة الجنسية عن شخص فإن حقه في التصويت وفي الإقامة والتجارة والتملك وغيرها، مما عُدّ من حقوق المواطن بزعمهم، ينتفي. ولا يخفى بطلان أصل الجنسية وغيرها وعدم منوطية تلك الأمور بها أو بنظائرها.
ومما يحتاج إلى بحث: ما لو استقال الرئيس فهل يسقط الحق في الإضرابات أو المظاهرات ضده أو ضد ما ارتكبه؟ الظاهر التفصيل بين أنواع مخالفاته فتدبر.
ومن نقل المتعلق: ما لو آجر ما كان أودعه لدى زيد، لعمرو أو أعاره إياه.
ومن التبديل: ما لو غيّر العين المرتهنة بغيرها.
ومن أحدها: ما لو باع المديون ما رهنه أو باع الدائن دينه، ففي الأول لا يتغير المتعلَّق لكن متعلَّق المتعلَّق يتغير فإن رهنه يكون على مال زيد – المبيع له – بعد أن كان على مال عمرو – المديون الراهن – وفي الثاني: يكون المرتهن وذو الحق في الرهن هو المالك الجديد للدين.
الخلاف في صحة الصلح على حق الدعوى والمرافعة
وذلك كله واضح، ولكن وقع الخلاف في حق المرافعة والدعوى وهل يصح المصالحة عليه؟ وما هو مفاده ومعناه؟ فقد ذهب السيد اليزدي إلى عدم صحة الصلح على نفس حق الدعوى وأن الصحيح هو الصلح على المترافَع عليه([2])، خلافاً لصاحب جامع المقاصد الذي ارتأى صحة الصلح على حق الدعوى وأنه يستتبعه أنه لو ثبت الحق كان له (أي كان المترافع عليه للشخص الأجنبي الذي صالح صاحب الدعوى على أن يكون له حق الدعوى).
ولكن الظاهر عدم تمامية كلام اليزدي وعدم تمامية إطلاق كلام جامع المقاصد، فلنوضح المطلب بالمثال أولاً ثم ننقل كلامهما ثم المنصور: فلو أدعى زيد أن له على عمروٍ مالاً أو ادعى أن الدار التي بيد عمروٍ هي ملك له وقد غصبها منه فله أن يرفع الدعوى إلى الحاكم الشرعي، وحينئذٍ يحقق الحاكم الشرعي في الأمر فإن أقام المدعي بيّنة كانت له وإن عارضها المدعى عليه ببيّنة مقابلة، فالأقوال في ذي اليد مختلفة بين تقديم بيّنة الداخل أو الخارج أو غير ذلك، وإن لم تكن لأحدهما بيّنة أُحلف المنكر ذو اليد فإن حلف كانت الدار له وإن ردها إلى المدعي فحلف فهي له أو نكل فتبقى لمن هي بيده لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) وغيرها.
فنفس سماع الدعوى من قبل القاضي أمر مهم إذ يستتبعه التحقيق فلربما ثبت له الحق، وحينئذٍ قد يصالحه على أن نفس حق الدعوى له – كما لعل بعض المحامين في هذا الزمن كذلك([3]) – وقد يصالحه على أن المترافَع عليه وهو الدار، له إن ربح في الدعوى، مقابل مالٍ يأخذه مدعي الدار، وسيأتي أن للمسألة صوراً أخرى.
قال السيد اليزدي: (والظاهر أنَّ من الأول ما ذكره بعضهم من جواز صلح حق الدعوى؛ فيكون للمصالَح له المرافعة مع المدّعَى عليه، فإنَّ مراده الصلح عن المدَّعى به الواقعي، فحينئذٍ يصح له الدعوى لا أنّ يكون المراد صلح نفس الحق.
نعم، عن جامع المقاصد أنَّه - في آخر كلامه في شرح قول العلاّمة في القواعد (ولو صالح الأجنبي لنفسه ليكون المطالبة له صح ديناً كانت الدعوى أو عيناً) – قال: (لقائل أنّ يقول لمَ لا يجوز الصلح على استحقاق الدعوى فقط؟! فإنَّ ذلك حق([4])، ويجوز الصلح على كل حق، لكن يرد عليه حينئذٍ أنَّه لو ثبت الحق امتنع أخذه؛ لعدم جريان الصلح عليه.
ويجاب: بأنَّ الصلح لو جرى على أصل الاستحقاق فإنّ ثبت الحق أخذه وإلّا كان له استحقاق الدعوى وطلب اليمين، وبالجملة فيقوم مقام المدّعِي، ولا بُعد في ذلك ويغتفر في الصلح ما لا يغتفر في غيره) انتهى.
وفيه اشكال؛ لأنه إذا لم يكن الصلح واقعاً على المدّعَى به الواقعي فكيف يجوز له أخذه بعد الثبوت على هذا الفرض؟!)([5]).
التحقيق: إن الأقسام أربعة:
أقول: المصالحة على أربعة أقسام كلها عقلائي:
المصالحة على أن حق الدعوى له فقط
1- أن يصالحه على أن حق الدعوى وحدها له (وهو نظير ما يفعله المحامون الآن)([6]) وهو عقلائي إذ صاحب الدعوى قد يكون مشغولاً أو غير خبير بأساليب المحاكم وقوانين القضاء أو ذا مرقة يصعب عليه المرافعة ويكون المحامي خبيراً متفرغاً لذلك بل إنه الآن نوع شغل، فيصالحه في مقابل مبلغ من المال على أن يترافع عنه. وهذا عقلائي كما سبق فلا وجه لإنكار السيد اليزدي له.
المصالحة على أن حق الدعوى والمترافَع عليه، له
2- أن يصالحه على أن له حق الدعوى والمترافع عليه معاً (ويختلف هذا عن سابقه إذ قد يأخذ هو من المحامي مبلغاً جيداً من المال لقاء ذلك، وفي صورة أخرى قد لا يؤخذ المحامي حينئذٍ أجراً أصلاً نظراً لاحتماله عقلائياً ربح الدعوى([7]) أو قد يأخذ أجراً قليلاً جداً).
ولو أن صاحب جامع المقاصد قصد هذه الصورة لما ورد عليه إشكال اليزدي بـ(وفيه اشكال؛ لأنه إذا لم يكن الصلح واقعاً على المدَّعى به الواقعي فكيف يجوز له أخذه بعد الثبوت على هذا الفرض) لكن ظاهر عبارة جامع المقاصد هو (الصلح على استحقاق الدعوى فقط) بل هو نص عبارته، إلا أن يكون تجوّز بها عن هذه الصورة أي كان الصلح على استحقاق الدعوى فقط ظاهراً لكن المقصود كان استحقاق الدعوى بلوازمها وانه لو ربحها كانت له الدار المترافَع عليها مثلاً.
المصالحة على أن المترافع عليه، له
3-4- أن يصالحه على أن له المترافَع عليه، فههنا تارة يستفاد منه عرفاً شمول المصالحة لحق الدعوى نفسها فهي كالصورة الثانية بل هي منها، وتارة لا يستفاد ذلك بل تقع المصالحة على المترافَع عليه فقط وأما حق الدعوى فالمدعي نفسه يضطلع بها، ومصححه العقلائي إما من جهة المدعي فإنه قد يكون بحاجة إلى مال الآن([8]) وأما من جهة الأجنبي فلأنه قد يكون ممن يتاجر بالمصالحة على الأشياء المتنازع عليها ببذل نصف قيمتها مثلاً للمدعي، ولعله لا يقدم إلا بعد احتماله عقلائياً كسب المعاملة وربح كامل الشيء المترافَع عليه.
تنبيه: كان البحث عن المرجعيات العشر لدى الشك في أن هذا الأمر حكم أو حق أو هو حق لازم أو حق قابل للنقل، وقد طرحنا هذا الفرع ههنا للتنويع ورفعاً لملل الطلاب مع أن محله بعد انتهاء المرجعيات العشر([9])، وسنكمل غداً بإذن الله تعالى سائر المرجعيات ونبدأها بـ(قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
====================
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أَنْ لَا تَرْجُوَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا تَخَافَ إِلَّا ذَنْبَكَ" الكافي: ج2 ص72.
..............................................
الاثنين 10 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |