145- النسبة بين رواية السلطنة وادلة المحرمات: أ ـ التباين الموضوعي وبعض ادلته ب ـ العموم والخصوص من وجه، لكن الرواية موهونة بكثرة التخصيصات فتتقدم عليها ادلة المحرمات ج ـ الحكومة وبعض النقاش حولها
السبت 22 ربيع الاخر 1438هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(145)
ج- أدلة المحرمات متقدمة على دليل السلطنة، لأظهريتها
الثالث([1]): بأن أدلة المحرمات كالنص بالنسبة إلى دليل السلطنة وأنه أضعف ظهوراً منها لجهتين:
الأولى: أنه على فرض شموله للسلطنة على الأحكام – وهو المحتمل الثالث السابق([2]) فانه ظهور ضعيف بل ضعيف جداً ولذا لم يذهب إليه الأكثر إن لم يكن هو المجمع عليه بين العلماء.
موهونية دليل السلطنة لكثرة تخصيصاته
الثانية: أن ظهوره موهون بكثرة تخصيصاته أو تخصصاته عكس أدلة المحرمات. توضيحه: أن الناس مسلطون مخصص من جهات عديدة: فانه مخصَّص أو متخصص بـ:
1- من حيث المصدر والمنشأ؛ بقوله تعالى: ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)([3]) فانه إضافة إلى حرمته فانه لا يملك ما كان من ربا أو من مطلق الحرام كـ"وَثَمَنُ الْمُغَنِّيَةِ"([4]) فانه "سحت" و"حَرَامٌ" كما في الخبر: "...إِنَّ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَالْمُغَنِّيَةِ سُحْتٌ"([5])
2- ومن حيث ثبوت الملكية: فلا يملك الخمس لقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)([6]) ولا الزكاة لقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)([7]) واللام للملك أو هي حق متعلق بالعين.
وغير خفي أن الخروج موضوعي فهو تخصُّص، لكنه عرفاً مال وملك في كل الصور فقد تصرف فيه الشارع بإخراجه تخصصاً فـ"إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ"([8]) خرج منها ما كان مالاً لهم لكن الشارع اعتبره غير مال.
3- من حيث المصرف، فانه يحرم عليه ولا سلطة له على صرف ماله في الإسراف والتبذير أو في الإضرار بالآخرين في الجملة، بل لا سلطة له فيما لشريكه فيه الشفعة وهكذا.
4- من حيث الغاية، فليس له أن يبيع الخشب ليُعمل صنماً أو صليباً ولا أن يبيع العنب ليعمل خمراً وشبه ذلك وإن جاز بيعه ممن يعمله كذلك.
5- من حيث المتعلَّق، فليس له بيع أو شراء الخمر والخنزير أو كتب الضلال أو آلات اللهو أو شبه ذلك.
وعليه: فإنه حتى إذا تعارض (الناس مسلطون) مع دليل حرمة الخمر أو الميتة أو غيرهما فان أدلة المحرمات تتقدم عليه؛ لوضوح تقدم النص أو ما هو كالنص وكذا الأظهر على الظاهر، وذلك هو الوجه في تقدم الخاص على العام فانه أظهر منه، وهذا على المبنى المنصور تبعاً للشيخ من أن تقدم الخاص على العام للاظهرية([9]) وعليه: فإذا كان أحد العامين من وجه أظهر من الآخر في مورد الاجتماع تقدم عليه.
الدليل على الوجه الأول: دليل السلطنة أجنبي عن الحكم التكليفي
سبق: (ثم إن النسبة بين حديث السلطنة وأدلة المحرمات هي إحدى الوجوه التالية:
أ- موضوعاهما مختلفان فلا تعارض
الأول: أن موضوعاهما مختلفين فلا تضاد لا تنافي ولا تعارض بينهما؛ استناداً إلى أن حديث السلطنة منصرف عن الحكم التكليفي من الجواز أو الحرمة، بل أن مصبّه غيره وروايات تحريم المحرمات محمولها الحرمة، فأحدهما أجنبي عن الآخر فلا تعارض.
وبعبارة أخرى: جواز التصرفات يؤخذ من دليل آخر ولو من أصالة الجواز والإباحة، ثم بعد ذلك أي بعد الفراغ عن كونه جائزاً يقع الكلام عن:
أ- كونه مسلطاً عليه أم غيره له الولاية – وهو ما قاله الآخوند وخصّه به.
ب- وعن كون تصرفاته صحيحة نافذة أم لا فيفيد الناس مسلطون كليهما معاً.
وهذا هو المختار)([10]).
شهادة لسان روايات السلطنة
أقول: ويدل عليه أيضاً لسان الروايات الأخرى الدالة على السلطنة على الأموال والتي عليها المعوّل من حيث الاعتبار لمن لم يتم لديه اعتبار (الناس مسلطون) فانها مستفيضة، وهذه بعضها:
(عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): "الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعله ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت"([11]) وظاهر الرواية هو أن له (أن يصنع) فالكلام عن الصنع والعمل وليس عن الحكم الناشئ من كونه مالاً له. فتدبر([12]).
وبعبارة أخرى: قوله: (هو ماله يصنع به ما يشاء) لا يفيد أبداً أنه إذا كان حراماً حلّله أو إذا شك في حِلّه حلله!
(وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، "وزاد: إنَّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء مادام حياً إن شاء وهبه، وإن شاء تصدق به، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث، إلا أنّ الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته"([13]) وهي أوضح من سابقتها لظهور (أن يعمل بماله ما يشاء) في أن المراد هبته والتصدق به وما أشبه مما كان حلالاً لا أنه يحلل المحرمات.
(وعن سماعة أيضاً قال: "سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده؟ فقال: أما إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما شاء، وأما في مرضه فلا"([14]).
فالظاهر: أن الكلام عن مرحلة المانع دون المقتضي أي هل الولد مانع عما كان جائزاً في حد ذاته وهو بذل المال لقرابته فتأمل.
مناقشة الوجه الثاني: حكومة أدلة المحرمات على دليل السلطنة
وأما الوجه الثاني السابق وهو (ب- أدلة المحرمات حاكمة
الثاني: أن أدلة المحرمات حاكمة على "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ" على فرض عدم قبول المبنى الأول ودعوى شمول الناس مسلطون بإطلاقها لأحكام الأموال ودلالتها على الجواز التكليفي أيضاً إلا أن مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ)([15]) حاكم عليه لأنه ناظر له فكأنها تقول كل شيء تملكه مما جاز لك التصرف فيه مطلقاً قد خرج منه هذا. فتأمل)([16])
المناقشة: ليست أدلة المحرمات ناظرة بلفظها لدليل السلطنة
ووجه التأمل هو أنه قد يناقش فيه:
إن المقياس في الحكومة والضابط والتعريف إن كان هو (أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً إلى الدليل الآخر) كما ذهب إليه الشيخ، فإنه لا شك في أن أدلة المحرمات ليست ناظرة بلفظها إلى دليل السلطنة لوضوح أنها لا تفيد تنزيلاً لا توسعةً ولا تضييقاً؛ فهل ترى أن ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ)([17]) ناظرة بلفظها إلى (الناس مسلطون على أموالهم)؟ فإذا اشتبه عليك الأمر فقارنه بـ"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ"([18]) و"لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِباً..."([19]) وللبحث صلة.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
=====================
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "احْذَرْ أَنْ يَرَاكَ اللَّهُ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ وَيَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِهِ، فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وَإِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَإِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ"
نهج البلاغة: ص544.
..............................................
([1]) أي من وجوه الجواب عن دعوى التعارض بين دليل السلطنة وأدلة المحرمات، فهو وجه ثالث للنسبة بينها.
([2]) سبق: (ج – السلطنة حتى على الأحكام).
([3]) سورة البقرة: آية 188.
([4]) وسائل الشيعة: ج17 ص123.
([5]) وسائل الشيعة: ج17 ص123.
([6]) سورة الأنفال: آية 41.
([7]) سورة التوبة: آية 60.
([8]) عوالي اللئالي: ج1 ص222.
([9]) وستأتي الإشارة إلى الحال على سائر المباني.
([10]) الدرس: (144).
([11]) الوسائل للحر العاملي: الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح1.
([12]) كي لا يقال: انه بمعنى (يجوز له أن يصنع به ما شاء) فإنه وإن صح لكنه أجنبي عن مورد الكلام.
([13]) الوسائل للحر العاملي: الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح2.
([14]) الوسائل للحر العاملي: الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح11.
([15]) سورة المائدة: آية 3.
([16]) الدرس (144).
([17]) سورة المائدة: آية 3.
([18]) عوالي اللئالي: ج1 ص214
([19]) الكافي: ج5 ص147.
السبت 22 ربيع الاخر 1438هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |