بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان الكلام حول الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط وذكرنا ان هذا الوجوب عقلي وفطري، وسيأتي انه شرعي وعقلائي، وتقدم ايضا ان الوجوب العقلي والفطري ملاكهما احد الملاكات الاربعة المتقدمة ومنها دفع الضرر البالغ المحتمل.
لكن بعض الأعلام ذهب الى ان العقل يحكم بوجوب دفع الضر وان كان يسيرا كخدشة, واجاب عن اشكال مقدر وحاصله:لماذا نرى العقلاء يسوغون اقتحام الضرر اليسير ولا يحرمونه بل ولا يعاتبون مرتكبه؟
واجاب عنه:ان ذلك لتكافؤه أو مزاحمته مع النفع الأكثر أو المساوي ,اذن فهو يرى ان حكم العقل تام بوجوب دفع الضرر اليسير لكنه مزاحم بالمساوي او الاكثر
لكن هذا الكلام قد يتأمل فيه :أما في العقوبة الأخروية فالضرر اليسير غير متصور لأن الضرر الاخروي كله خطير،أما الضرر الدنيوي اليسير فان العقل يحكم بحسن دفعه لكنه لا يوجبه وهذا واضح بالوجدان, اذن المقتضي غير موجود لا انه موجود ولكن لا حكم للعقل بالوجوب نظر اًلوجود المانع
ولعل منشأ هذا التوهم هو الخلط بين وجوب دفع الضرر عن النفس وبين حرمة ألإضرار بالغير عقلا وان كان يسيرا.
وتظهر الثمرة عند وجود ضرر يسير وشك بوجود مزاحم له، فعلى مبناه فانه اذا لم يحرز المزاحم فالحكم بالحرمة ووجوب دفع الضرر,اما على ما نقول فلا حرمة ولا وجوب للدفع، والاصل هو الحلية.
وهذه المسألة لها ثمرات عديدة، منها مثلا في العبادة فانه لو وقف طويلا حتى تتورم قدماه فهذا ضرر يسيرفان من وجوه التحليل عنده هو المزاحمة بالثواب اما عندنا فالتحليل على الأصل
كما ان هذا البحث يعد من المبادئ التصديقية لعلم الفقه والاصول، وليس مسألة فقهية وقدجرى بحثه هنا من هذا الباب، وان لم يصرح بذلك الاصوليون
والآن ننتقل الى الكلام عن الوجوب الوجوب الشرعي المولوي :فما هو ملاك الوجوب الشرعي المولوي ؟
والجواب:المسلك المختار هو: ان ملاكه ما صدر عن المولى بما هو مولى في مقام التشريع,اومقام الحكم هذا هو الملاك القريب أما الملاك البعيد فهو المصالح البالغة المؤكدة أو المفاسد البالغة المؤكدة، هذا في عالم الثبوت، وأما عالم الأثبات فهو الظواهر وسيأتي الكلام عنه,توضيحه:
قد تعددت الاقوال في معنى الوجوب المولوي ورأي مشهور المتقدمين هو (ما صدر عن المولى الحقيقي او المولى العرفي بما هو مولى أي معملامقام مولويته)لأن للمولى حيثيتين: حيثية كونه مولى وحيثية كونه ناصحا، فتارة يأمر بما هو ناصح وتارة يأمر بما هو مولى، فاالرسول صلى الله عليه واله وسلم مثلا له مقامان فتارة يأمر بما هو مولى(ما اتاكم الرسول فخذوه) وتارة يأمر بما هو ناصح كما في قصة تلك المرأة التي جاءت الى الرسول صلى الله عليه واله وسلم شاكية زوجها فلما طلب منها الرسول صلى الله عليه واله وسلم الرجوع الى زوجها فقالت (أتأمرني يا رسول الله) فقال صلى الله عليه واله وسلم(لا انما انا شافع) فاصرت على الطلاق فطلقها
وانما أضفنا الى تعريف المشهور قيد (في مقام التشريع)لأن المولى قد يأمر بما هو ناصح فهوامر ارشادي،وان صدرمنه بما هوالمولى
وفي قبال المسلك المختار اقوال: منها:(ما كان في مورد المستقلات العقلية فهو ارشادي والا فمولوي) وهذا رأي كثيرمن المتأخرين ومنهم السيد الحكيم في المستمسك في مثل امر التوبة(توبوا الى الله) لأنها مما يستقل به العقل ومثل امر الاطاعة (اطيعوا الله) فهي مما يستقل به العقل فالامر ارشادي لا مولوي، هذا قول مشهور المتأخرين، ولكن المحقق الرشتي تلميذ الشيخ الانصاري في بدائع الافكار يقول:(الامر الوارد في موطن المستقلات العقلية،امر مولوي بلا شك، وان من لا مهارة له في هذا الفن "الاصول"يراه ارشادياً) وتنقيح الكلام في المقام يترك لمحله.
والثمرة على غير القول الاول هي: ان الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط، ليس شرعيا وانما هو عقلي او فطري لأنها من المستقلات العقلية فان العقل يستقل بوجوب تحصيل المؤمّن والمؤمن هو احد هذه الثلاث
ومن الاقوال:(كل ما استلزم من مولويته الدور أو التسلسل فهو ارشادي والا فمولوي) ومثلو له بأمر الأطاعة والتوبة كما ادعى ذلك المستمسك اوائل الجزء الرابع في امر التوبة وانه لو كان مولويا للزم اما الدور او التسلسل وكما ادعى مشهور متأخري الاصوليين ذلك في امر الا طاعة فيرونه ارشادياً والا للزم اما الدور او التسلسل (كل امر وقع في سلسلة المعاليل فهو ارشادي واما ما وقع في سلسلة العلل فهو مولوي) وهذا الرأي لو قبلنا به لكان الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط ارشادياً.
وسيأتي الكلام في بقية الاقوال مع مناقشتها ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين