بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ,ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
كان الكلام حول الوجوب التخييري للاجتهاد والتقليد والاحتياط وذكرنا ان هذا الوجوب عقلي وفطري، وسيأتي انه شرعي وعقلائي ايضا، وتقدم ايضا ان الوجوب العقلي والفطري ملاكهما احدى الملاكات الاربعة المتقدمة
الكلام اليوم في ان الوجوب العقلي والفطري بملاك دفع الضرر البالغ المحتمل، ما هي سعة دائرته وما هي حدوده؟
والجواب: ان الصور المتعّقلة خمسة تجري فيها قاعدة دفع الضرر العقلية والفطرية:
الأولى:احتمال وجود التكاليف الالزامية قبل الفحص ـ مع قطع النظرعن أي امرآخر كوجود علم اجمالي وانحلاله اوعدمه بل حتى مع عدم وجودعلم اجمالي ـ
الثانية:وجود علم اجمالي بتكاليف الزامية قبل الأنحلال .
الثالثة وجود علم اجمالي بتكاليف الزامية لكن بعد الأنحلال وقبل الفحص التام المستوعب
الرابعة:نفس الصورة الأولى ولكن بعد الفحص اي احتمال وجود تكاليف الزامية لكن بعد الفحص .
الخامسة:نفس الثالثة وجود علم اجمالي بتكاليف الزامية لكن بعد الانحلال بل وبعد الفحص الشامل المستوعب ( وذلك نظرالاحتمال وجود ادلة لم تصلنا وضاعت فما ضاع من الكتب والروايات ـ ككتاب:مدينة العلم للصدوق وغيره ـ فلا يفيد الفحص التام العلم بالعدم )
وهذ التقسيم دقيق لأجل ان نعرف ان يكون موقع مسلك حق الطاعة ـ على بعض تقريراته ـ وما هو فرق هذا المسلك عن المسلك المشهور,توضيحه:
أما الصورة الأولى:فهنا العقل يدرك الوجوب (ولو من دون علم اجمالي) اذ من يعلم ان له خالقاً ولكنه يشك هل خالقه كلفه بتكاليف ام لا؟ فالعقل يلزمه (نظراً لاحتمال الضرر او نظراً لحق الطاعة ) أن يفحص لأحتمال تنجزها لفرض احتمال وجودها,فأذا أقتحم بلا فحص لامه العقلاء كما انهم يرون لابدية تحصيل المؤمّن وهو هنا الأجتهاد أو التقليد أو الأحتياط.
اما الصورة الثانية: فواضحة لأن العلم الأجمالي قبل الأنحلال منجز في الجميع .
اما الصورة الثالثة: فهل يجب عليه الفحص في الباقي (بعد الأنحلال ومعرفة كمية المعينه من الأحكام الألزامية)أم لا؟
والجواب :نعم لحق الطاعة لا لمسلك حق الطاعة ،هذا كله على القول المشهور فاذا علم بوجود مائة محرم ومائة واجب بين خمسمأة عنوان مثلاً و لا يعلم بوجود غيرها فانه عندما يرجع الى وجدانه لا يجد الا الاحتمال البدوي في بقية الموارد فهل يجب عليه ان يفحص ام لا؟ نعم العقل يلزمه بذلك لحق الطاعة
والصورة الثالثة نفس الاولى لكن الفرق ان الاولى شبهة بدويه مع عدم علم اجمالي ،و قبل الفحص والثالثة شبهة بعد الانحلال فهي كالشبهة البدوية
ان قلت:فأين موقع الأصول الترخيصية ك(رفع ما لا يعلمون) واستصحاب عدم التكليف على القول بجريانه؟
قلت:ان الأصول الترخيصية لا تجري قبل الفحص في الباقي، لأحد وجهين:
الأول:اما للأنصراف بان نقول (رفع ما لايعلمون) مثلا منصرف عن ما قبل الفحص التام فاذا فحصت ولم تعلم تقول(رفع ما لا يعلمون) اما قبل ان تفحص فلا يجري(رفع ما لا تعلمون).
الثاني:اذا لم نقل بالانصراف فنقول ان ادلة وجوب التعلم(فاسألوا اهل الذكر)و (هلا تعلمت) حاكمة قبل الفحص التام على مثل حديث الرفع للناظرية ولسانه الشارحية لا لان اعمال اطلاق حديث الرفع يستلزم عدم بقاء مورد لـ:(هلا تعلمت) فتدبر0
اذن الاصول الترخيصية غير جاريه هنا اما للامر الاول او الثاني،وبعبارت اخرى:ان (الاحتمال والشبهة)في بقية الموارد قبل الفحص التام ، لاتقل عن الشبة البدوية قبل الفحص مع عدم وجود علم اجمالى بالمرّة ، في اقتضائهما عقلا و شرعا وجوب الفحص وعدم جريان الاصول الترخيصية
الصورة الرابعة والخامسة هي مسلك حق الطاعة:فأذا فحص( سواءا في الأحتمال أو العلم الأجمالي) ولم يجد شيئا فمسلك حق الطاعة يقول : ان الأحتمال وان كان ضعيفا الا انه منجز ويجب أن تحتاط لأن المولى له عليك كل الحق وهذه مملكته والتصرف في ملك الغير بلا اذنه غير جائز لانها مملكته او دفعا للضرر المحتمل بحكم العقل .
والمشهور لا يقولون بمسلك حق الطاعة هنا بل يرون جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلا يجب الاحتياط, ففي الصورة الاولى لايقول المشهور بهذه القاعدة لان احتمال التكليف الالزامي قبل الفحص بيان عقلي اما بعد الفحص فلا بيان فالمشهور بعد الفحص هو جريان البراءة فتجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان اما مسلك حق الطاعة فيقول نعم العقل يحكم بالأحتياط حتى بعد الفحص لكن الأصول الترخيصية تجري هنا لأن الكريم صاحب المملكة يقول (رفع ما لاتعلمون) فتكون حاكمة على حكم العقل بالاحتياط نظراً لحق الطاعة
فاتضح الفرق بين مسلك المشهور ومسلك حق الطاعة.
اذن الوجوب العقلي والفطري في الصور الخمسة للاجتهاد والتقليد والاحتياط موجود لكن في الصورتين الاخيرتين تجري الاصول الترخيصية فترفع الوجوب وترفع الضرر المحتمل(اذا لمولى يقول لا ضرر ولا عقوبة) اذن هذه دائرة الوجوب العقلي،وقد واتضح بذلك الفرق بين المسلكين , وهذا الكلام كله مبني على مسلك العدلية من تبعية الاحكام لمصالح ومفاسد في المتعلقات.
اشكال وهو: ان قلت : الأصول الترخيصية على مسلك حق الطاعة رفعت العقوبة الأخروية ولم ترفع احتمال العقوبة(أي الاضرار) الدنيوية فكيف ساغ لنا الأقتحام مع وجود الأحتمال خاصة في الأمور الخطيرة ؟
قلت:اولا: ما اجاز العقل لنا الاقتحام رغم الضرر الدنيوي، الا لباب التزاحم.
وثانيا:الاجتناب يعارض مصلحة التسهيل في الشريعة.
وثالثا:الأجتناب يوجب اختلال النظام.توضيحه:ان احتمال الضرر موجود في ركوب السيارة والطيارة وفي كل عمل فان احتمال وجود الحادث المضر او حتى المميت موجود دائما فالعقل وان حكم ـ او رأى ـ بان دفع الضرر المحتمل الخطيرواجب لكنه حيث يرى الحياة سوف تتعطل وتتوقف لو اجتنبنا كل ما يحتمل فيه ضرر خطير، فانه يسوغ الاقتحام
والنتيجة ان العقوبة الاخروية رفعت للاصول الترخيصية، اماالاضرار الدنيوية فقد رخّص فيها (أي في محتملها) لاجل المزاحمة مع المصلحة الغالبة او مع المفسدة الاكبر
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين