40- تتمة التحقيق : 1- الفرق بين العباديات و التوصيليات 2- هل هناك فرق بين القاصر و المقصر
الاثنين 16 محرم الحرام 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تقدم البحث عن حال عمل العامي بلا اجتهاد أو تقليد أو احتياط وأنه صحيح أو لا؟ وعلى القول بالصحة فبأي معنى، لأنه قد تقدم أن للصحه معاني ثلاثاً.
أما مبحث اليوم فيدور حول عنوانين فرق البعض بينهما في مبحث الصحة بدعوى أن مدار الصحة وعدمها، على هذين العنوانين:
التفريق في الصحة بين العبادي والتوصلي
العنوان الأول: إنه قد فرق البعض بين العبادي كالصلاة والصيام بأنه وإن طابق الواقع، باطل وبين التوصلي كحيازة المباحات للتملك فتكفي المطابقة للواقع ، ووجه الفرق أن العبادة يشترط في صحتها قصد القربة وبدونها لا يكون العمل صحيحاً، هذه كبرى، وأما الصغرى فإن العامي بلا تقليد ولا احتياط غير قادر على قصد القربة؛ لأن قصد القربة يعني الاتيان بالعمل المطلوب للمولى أو الح بوب للمولى أو المأمور به من قبل المولى تقرباً إليه، وغير المجتهد أو المقلد أو المحتاط من أين له أن يعلم أن العمل مطلوب أو محبوب للمولى حتى يتقرب به إليه؟
وأما التوصلي فلا يشترط فيه قصد القربة فهو صحيح لو طابق الواقع وإن كان بلا اجتهاد أو تقليد أو احتياط.
مناقشة التفريق
لكن هذا التفريق لا اطلاق له، إذ يمكن التخلص من هذا المحذور (عدم تمشي قصد القربة في العبادة، من غير الثلاثة) بوجوه.
1) منها الاتيان بالعمل برجاء المطلوبية، فإذا احتمل مطلوبيته من غير اجتهاد أو تقليد، فإنه يمكنه أن يأتي به بقصد القربة فيتمشى منه قصدها بلا محذور.
2) منها إمكان تمشي قصد القربة بدون أحد الثلاثة، من (القاصر) السالك لغيرها من الطرق، كالقياس، متوهماً حجيته.
3) منها إمكان تمشيه أيضاً من المقصر الغافل حين العمل، فإنه يتأتى منه قصد القربة لو اتبع الظن الشخصي أو القياس مثلاً؛ فإنه لو كان حين العمل غافلاً عن أنه طريق غير شرعي، أمكنه قصد القربة.
إذن هذا التفريق ليس على اطلاقه، نعم لو كان ملتفتاً ولم يأت بالعمل برجاء المطلوبية، فلا يتمشى منه قصد القربة، فههنا هو موطن التفريق بين العبادي والتوصلي.
وخلاصة الكلام أ- أن العمل العبادي يكون صحيحاً بالمعنى الأول في صورة واحدة وهي ما لو طابق عمله الواقع وتمشى منه قصد القربة بأي نحو من الأنحاء.
ب- ويكون العمل العبادي صحيحاً بالمعنى الثاني في موردين هما مطابقة الواقع بالمعنى المتقدم والمطابقة لرأي المجتهد حين العمل.
ج- ويكون العمل العبادي صحيحاً بالمعنى الثالث في ثلاث موارد وهي المطابقة للواقع مع إحرازها ولو بالاحتياط والمطابقة لرأي المجتهد حين العمل والمطابقة لرأي المجتهد الحالي بشرط الاستناد فيهما إليه، هذا خلاصة الكلام في العنوان الأول.
التفريق بين القاصر والمقصر
العنوان الثاني: قيل إن القاصر عمله صحيح، لكن المقصر عمله غير صحيح فيما لو لم يطابق.
ولكن لابد من ملاحظة معاني الصحة وعليها سوف تختلف النتيجة، أما المعنى الأول للصحة فإنه لا يختلف الحال قاصراً كان أو مقصراً، لأن المطابقة أمر تكويني انتزاعي، وهو غير مرتهن بالقصور أو التقصير.
أما المعنى الثاني للصحة (المعذرية) وعدم استحقاق العقاب فهنا قد يفرق بين العبادي والتوصلي من حيث القاصر والمقصر ففي العباديات يكون معذوراً مع عدم المطابقة للواقع، إذا كان قاصراً وغير معذور إذا كان مقصراً ، أما في التوصليات فلا مجرى للمعذرية لعدم الأمر المولوي في التوصليات حتى يقع البحث عن استحقاقه العقاب من غير فرق بين كونه قاصراً أو مقصراً.
نعم غاية الأمر عدم ترتب الأثر ولا فرق فيه أيضاً بين القاصر والمقصر.
أما المعنى الثالث للصحة (الاجزاء) فالصحيح في العباديات هو الاجزاء وعدم الاعادة والقضاء إذا طابق عمله رأي المجتهد الحالي، بل إذا استند إلى رأي السابق حين العمل, أما في التوصليات فلا مورد للاجزاء وعدمه ، اللهم إلا لو فسّر في التوصليات بما كان منشأ للأثر فالحيازة الصحيحة (بالحمل الشائع الصناعي) تكون منشأ للأثر، إذن الفرق حسب المعنى الثالث هو أنه في العباديات تفسر الصحة بالاجزاء، وفي التوصليات تفسر الصحة بمنشأية الأثر وترتبه.
هذا اجمال الكلام في عناوين البحوث في المسألة الأولى، ولعله يأتي تفصيل أكثر في المستقبل في المسائل القادمة.
وسننتقل إلى الكلام في المسألة الثانية إن شاء الله تعالى، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الاثنين 16 محرم الحرام 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |