276- الدليل الثاني: ان الاحلام كثيراً ما تصيب ـ وكذا الكشف والشهود وعلم النحو و... ـ فهي حجة في الجملة الجواب : اولاً : أـ انها اما لامقتضي لجعلها حجة ب ـ او لا دليل على حجيتها ج ـ او هناك مانع عن العمل بها ـ تفصيل ذلك ـ بيان وجوه الخطأ في المنامات حسب الروايات أ ـ (هُزع) ب ـ (الاضغاث) ج ـ حديث النفس
الأحد 8 رجب 1434هـ




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
سبق ان الأحلام والمنامات – وكذا الكشف والشهود، والتنجيم ونظائرها – يدور أمرها بين ما لا يكون هناك مقتضٍ لجعلها حجة، وبين ما لا دليل على كونه حجة – وإن فرض المقتضي له ثبوتاً - وبين ما وجد المانع عن العمل به وإن فرض وجود المقتضي والدليل
والأول: فيما لو كان خطؤها أكثر من صُوَرِ إصابتها، أو مساوياً
والثاني: تام حتى لو كانت إصابتها أكثر
والثالث[1]: معلّل بالعلم الإجمالي بكذب أو خطأ الكثير منها حداً يدرجها في الشبهة المحصورة من قبيل شبهة الكثير في الكثير.
وبعبارة أخرى: حتى لو فرض وجود المقتضي، لأغلبية الإصابية، ووجود الدليل على حجيتها، فحيث اختلطت الحجة باللا حجة، من غير وجود ما يميزها، امتنع العمل بالحجة منها، وذلك كخبر الثقة لو اختلط بغيره (كما لو فرض وجود سبعين خبر لزرارة وثلاثين خبر لآخر غير ثقة ثم اختلطت أسانيدها بحيث تعذر التمييز)
ويظهر وجه الأول والثالث، فالثاني بالتبع، لدى ملاحظة وجه الخطأ واللا إصابة في المنامات ثم لدى معرفة وجه الخطأ في تعبيرها وفهم ما ترمز إليه.
وجوه الخطأ والكذب في المنامات
أما وجه اللا إصابة في المنامات بما هي، أي وجه كون كثير منها كاذباً بما هو هو، فيظهر بمراجعة الروايات الواردة في المقام، مما يقر به كافة معبري الأحلام أيضاً، ومما دل العلم الحديث على أغلب صوره.
أ- شيطان يسمى هزع
فمنها: ما نقله البحار[2] بإسناده عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان وقال: حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محسن بن أحمد عن أبان بن عثمان عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام قال سمعته يقول إن لإبليس شيطانا يقال له هزع يملأ ما بين المشرق و المغرب في كل ليلة يأتي الناس في المنام[3].
حيث دلت بظاهرها على أن بعض الأحلام، هي مما يلقيها هذا الشيطان في نفس النائم، واحتمال كون المراد صِرف إتيانه النيام والعبث بهم، بعيد، فتأمل[4].
ب – مخلوق يسمى أضغاث
ومنها: ما رواه أيضاً في البحار عن تفسير العياشي عن أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ رَأَتْ فَاطِمَةُ عليها الصلاة والسلام فِي النَّوْمِ كَأَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ذُبِحَا أَوْ قُتِلَا فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الهل عليه وآله فَقَالَ يَا رُؤْيَا فَتَمَثَّلَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أَنْتِ أَرَيْتِ فَاطِمَةَ هَذَا الْبَلَاءَ قَالَتْ لَا فَقَالَ يَا أَضْغَاثُ أَنْتِ أَرَيْتِ فَاطِمَةَ هَذَا الْبَلَاءَ قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَا أَرَدْتِ بِذَلِكِ قَالَتْ أَرَدْتُ أَنْ أُحْزِنَهَا فَقَالَ لِفَاطِمَةَ اسْمَعِي لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ[5].
وهي صريحة في ان ما يراه النائم قد يريه إياه ما يسمى بـ(أضغاث أحلام) وقد يريه ما يسمى بـ(الرؤيا)
فائدتان:
الأولى: قد يستظهر ان الرؤيا والأضغاث هما نوع من أنواع (الطاقة) الخفية، فكما توجد أنواع من الطاقة اكتشفها العلم الحديث (كالطاقة الكهربائية، والكهرومغناطيسية وغيرها) وأنواع الأشعة (كأشعة الليزر والأشعة فوق البنفسجية و...) كذلك لا تزال توجد أنواع كثيرة لم يكتشفها العلم، وهذان منها، ومن الواضح ان كلا من الطاقة والمادة يمكن تحويلها إلى الأخرى.
الثانية: لهذه الرؤيا التي رأتها الصديقة الزهراء عليها الصلاة والسلام، وجوه من التوجيه ذكرها السيد الوالد في كتاب (من فقه الزهراء عليها الصلاة والسلام) المجلد السادس، وقد يضاف لها: ان الأمر كان من باب التعليم – أي تصديقها ظاهراً للرؤيا وما جرى من الحديث بينها وبين أبيها عن ذلك – فان كثيراً من أفعالهم تعلل بذلك، واما حزنها فقد يعلل بأن المعصومين لهم المقدرة على تحييد علمهم الواقعي عن إيقاف تأثير مفعول علومهم الظاهرية وتأثيراتها والله العالم.
ج – حديث النفس
ومنها: ما رواه عن الدر المنثور (ووردت بذلك أكثر من رواية) عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله (الرُّؤْيَا عَلَى ثَلَاثَةٍ: مِنْهَا تَخْوِيفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهِ ابْنَ آدَمَ وَ مِنْهَا الْأَمْرُ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الْيَقَظَةِ فَيَرَاهُ فِي الْمَنَامِ وَ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَ أَرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ)[6]
وهذه الرواية صريحة في وجود عاملين من عوامل خطأ الرؤيا وكذبها وهما (الشيطان) و(حديث النفس) إذ من الثابت علمياً وتجريبياً وبالوجدان ان ما يحدِّث به الإنسان نفسه، ينطبع في منطقة اللاوعي أو الوعي الباطن واللاشعور ثم يتجلى بصُوَرٍ، ومنها تجليه على شكل رؤيا في المنام.
فائدة قوله(صلى الله عليه وآله وسلم) (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) لمعناه محتملات ستأتي ومنها: ان (الأنبياء) كما لهم طرق للاطلاع على الغيب وأنباء السماء، مثل عمود النور والنقر في الأسماع والنكت في القلب وغيرها، كذلك فان (الرؤيا) من الطرق فالحديث عن رؤياهم لا رؤيا عامة الناس، وعلى أي فلا يعلم كون المقصود رؤيا عامة الناس. وعلى فرضه فيرد ما سبق من اختلاط الحجة باللاحجة فيما نراه من المنامات، وستأتي وجوه أخرى أيضاً بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - وهو وجود المانع.
[2] - عن آمالي الصدوق، ج58 ص159
[3] - الأمالي للصدوق: ص146.
[4] - بل لا وجه له بلحاظ ذيل الرواية المذكورة في الآمالي حسب بعض النسخ وهو (ولهذا يرى الأضغاث)
[5] - بحار الأنوار: ج 43 ص91 باب 4.
[6] - في البحار ج58 ص193
الأحد 8 رجب 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |