422- تتمة مناقشة التنقيح 1ـ الظهور ليس حسياً 2ـ والسيرة على الرجوع للخبراء ولو قالوا بالحدس عن الحس 3ـ عدم الحاجة اعم من عدم الحجية 4ـ العدالة حدسية لحدسية نية القربة في العبادات
السبت 1 شعبان 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
تتمة مناقشة التنقيح
سبق قول التنقيح (واما السيرة العقلائية فلانها وان جرت على رجوع الجاهل الى العالم، ورجوع المجتهد الى العالم بتلك القواعد ايضاً من رجوع الجاهل الى العالم، إلّا أن ذلك على اطلاقه ليس مورداً للسيرة أبداً، لاختصاصها بالمسائل النظرية المحتاجة الى التدقيق والاستدلال كما في الطبابة والهندسة وغيرهما. واما الاُمور الحسية ألتي لايحتاج فيها الى الدقة والاستنباط فلم تقم فيها السيرة على رجوع الجاهل الى العالم، وهذا كموت زيد وولادة ابنه ونحوهما فإنه اذا علم بها احد باجتهاده وحدسه لم يكن أي مجوّز لتقليده، لانهما أمران حسيان لا يحتاجان الى الاستنباط والاجتهاد، ولاسيرة على رجوع الجاهل الى العالم في مثلهما)
1- الظهورات حدسية
ويرد عليه:
أولاً: ما سبق من ان الظهورات حدسيات وليست حسيات.
2- السيرة والبناء على رجوع الجاهل للعالم ولو كان بالحدس عن الحسي
ثانياً: ان السيرة وبناء العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم حتى في الأمور الحسية التي علم بها أهل الخبرة بالحدس، ومما يدل على ذلك الشواهد التالية:
أ- الشروق والغروب والكسوف
اعتماد العقلاء في غروب الشمس وشروقها وفي الخسوف والكسوف، في الأيام والأسابيع والأشهر والسنين بل والعقود والقرون القادمة، على قول الخبراء من الفلكيين، مع ان الغروب والشروق والكسوف والخسوف أمور حسية إذ ترى بالعين ومع ان وصول الفلكي إليها إنما هو بالحدس لمعادلات فلكية اعتمدها.
لا يقال: حدسهم قطعي؟
إذ يقال: أولاً: لا إطلاق لذلك إذ كثيراً ما يظنون.
ثانياً: ان القطع أعم من الإصابة ويدل على ذلك تخالفهم في أحيان كثيرة والتخلف أيضاً.
ثالثاً: لو فرض قطع الفلكي فانه حجة عليه لا على الغير، ومقتضى دعوى عدم السيرة على الرجوع في الحسي الذي توصل إليه بالحدس هو ان قطعه ليس بحجة على الغير، مع انه لو قيل بحجيته لكان المقام من صغرياته فكان عليه أن يفصّل في مبادئ الاستنباط التي اعتبرها حسية بين كون المجتهد وصل إليها بالحدس القطعي فيجوز – بالمعنى الأعم – إتباعه وإلا فلا.
ب- ولادة الهلال
سيرة العقلاء وبناؤهم على الاعتماد في ولادة الهلال وكونه في الأفق بحيث يُرى ونظائر ذلك على قول أهل الخبرة الفلكي مع انه([1]) حسي، وقد توصلوا إليه بالحدس.
لا يقال: لكن الشارع ألغى ذلك واعتبر الصوم مرتهناً بالرؤية إذ قال (صُمْ لِلرُّؤْيَةِ وَأَفْطِرْ لِلرُّؤْيَةِ وَلَيْسَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ فَيَقُولَانِ رَأَيْنَا إِنَّمَا الرُّؤْيَةُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ رَأَيْتُ فَيَقُولَ الْقَوْمُ صَدَقْتَ)([2])
إذ يقال: ذلك هو الاستثناء الذي يؤكد الأصل والقاعدة([3])، ولا شك ان للشارع ان يعتبر الرؤية بالعين المجردة فقط هي الموضوع لحكمه([4])، كما لا شك في ان له ان يردع عن بعض انواع بناء العقلاء كما ردع عن القياس في الشريعة.
والحاصل: ان المقام – مبادئ الاستنباط – مما قام على الرجوع فيه إلى أهل الخبرة بناء العقلاء ولم يرد ردع من الشارع([5])، فلزم كون قولهم حجة.
ج- قول الطبيب لو أخبر عن حدس
ان بناء العقلاء وسيرتهم على قبول قول أهل الخبرة من الأطباء ولو أخبروا عن حدس بالمرض من العلامات حتى مع انفتاح باب الحس لهم إليه، ويدل عليه: ان كثيراً من الأمراض – كمرض فقر الدم والسكر – لها علامات في العين أو رعشة اليد أو نقص الوزن أو شبه ذلك مما يحدس منها الطبيب الحاذق نوع المرض، والعقلاء يعتمدون عليهم حتى مع انفتاح باب الحس عبر إجراء التحاليل التي تكشف بالرؤية عبر الأجهزة نسبة كريّات الدم البيضاء في الدم أو غير ذلك، نعم للطبيب ان يجري التحليل لكنه لو اطمأن لها لما احتاج وكان قوله حجة.
على انه لو تأمل في ذلك وبعض نظائره لما كان مجال للتأمل في سيرتهم وبناءهم على الرجوع في مبادئ الاستنباط للعالم بها عن اجتهاد([6]).
3- عدم الحاجة لا تستلزم عدم الحجية، والمقام مما يحتاج
ثالثاً: قوله (لأنهما أمران حسيان لا يحتاجان إلى الاستنباط والاجتهاد، ولا سيرة على رجوع الجاهل إلى العالم في مثلهما) يرد عليه ان عدم الحاجة هي أعم من عدم جواز الاتباع، ولا دلالة فيها بالمرة على دعوى انحصار الحجة والطريق بغيرها – أي بخصوص ما يحتاج -، فعدم الحاجة أجنبية عن وقوعها ضمن الدليل، نعم الدليل لو تمّ فهو دعوى: (ولا سيرة...).
إضافة([7]) إلى ان المقام خارج موضوعاً عن (ما لا يحتاج) أي هو من دائرة ما يحتاج الى الاجتهاد والاستنباط، وذلك لأن علم الرجال بناء على كونه حسياً كما ذهب H إليه، فانه لا طريق الآن إلى ذلك الحسي إلا الحدس، لفرض عدم معاصرتنا لزمن الرواة كي نحس ونرى ونلمس عدالتهم – حتى بناءاً على انها الاستقامة على جادة الشرع وكونها حسية صِرفاً – بل اننا (نحدس) فقط من القرائن ذلك الحسي.
وصفوة القول: ان المنصور هو ان مبادئ الاستنباط كالرجال واللغة والعلوم الأدبية، إن علم بها عن حس فأدلة التقليد تشملها، كما سبق تفصيله، وان علم بها عن حدس فكذلك.
4- العدالة حدسية لحدسية نية القربة في العبادات
رابعاً: كما يرد على دعواه ان العدالة حسية، إضافة إلى ما سبق من كونها ملكة وهي حدسية وانها حدسية حتى مع كونها الاستقامة إذ يحدس من الماضي حال قوله هذا بناء على الاستقراء المعلل وهو حدسي، إضافة إلى ذلك فان العدالة حتى لو قيل انها الاستقامة على جادة الشرع وحتى لو رُؤي الشخص مصلياً صائماً مزكِّياً حاجاً... الخ فانه لا يكشف ذلك عن العدالة التي هي عنده الاستقامة على جادة الشرع إلا بالحدس لأن العبادات قوامها بنية القربة، ولا يعلم مِن نفس صلاته التي تُرى نيته للقربة التي لا تُرى ولا تحس، إلا بالحدس إذ لعله صلى أو صام رياءاً أو سمعة أو لغير ذلك من الجهات([8]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) أي كونه في الأفق بحيث يرى.
([2]) التهذيب ج4 ص164.
([3]) أي يؤكد اعتماد العقلاء لذا احتاج للردع عنه وإلغائه ولو بلسان بيان موضوع حكمه الذي هو أخص. فتأمل
([4]) ويدل على ذلك انه لو ترتبت على ولادة الهلال بحيث يُرى آثار أخرى غير ما تدخل فيه الشارع، للزم في بناء العقلاء ترتيبها عليه – أي على تولده بذلك الحيث.
([5]) وهو كاف في الإمضاء أي الكشف عنه، ككل الطرق العقلائية.
([6]) وان كانت في أصلها حسية كما سيأتي.
([7]) وهو العمدة.
([8]) وقد أجبنا عن دعوى كونها حدسية قريبة من الحس فلها حكمه، بأجوبة عديدة فراجع ما سبق.
السبت 1 شعبان 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |