بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الحديث حول وجوه حجية قول الراوي والمفتي والرجالي، و الاقوال والمحتملات فيهم ,على ان مدار البحث هو حجية قول الراوي اولا وبالذات ,ولكن هذه الوجوه كلها او اكثرها مشتركة بين هذه العناوين الثلاث ولذا ذكرنا قول الرجالي والمفتي لعموم الفائدة، وبناء على تحديد المبنى؛ فاننا سنصل الى نتيجة هي ان هذه المرجحات التي نستند اليها هل تفيدنا في توثيق الراوي بعد تحديد شخصيته؟, وفي صغرى المقام فان البحث جرى حول الحسين بن احمد المالكي وانه نفس الحسن؟ فقد ذكرنا: انه توجد قرائن على ذلك , ولكن هل هذه القرائن حجة ام لا ؟ ثم لو اننا قلنا بالتغاير بين الشخصين فهل توجد قرائن على توثيق الحسين؟ وهل هذه القرائن حجة ام لا ,؟
والمهم ان هذا البحث سينفعنا في كلتا الجهتين سواء قلنا باتحاد الرجلين ,او بعدمه وانهما شخصان ( الحسن والحسين ) ,
و قد ذكرنا عدداً من المباني وهذه القرائن التي سقناها وسنسوقها هي حجة على بعض المباني دون البعض الاخر .
مبنى الانسداد الكبير والصغير :
المبنى الاول في حجية قول الراوي – وكذا الرجالي والمفتي – هو باب الانسداد الكبير ,والمبنى الثاني هو باب الانسداد الصغير,
اما الاول ,فانه يراد منه انسداد باب العلم والعلميّ في الرواة والروايات وفي اقوال الرجاليين واللغويين وما اشبه, أي :ان كل ما يتعلق بمعرفة الحكم الشرعي فان الباب منسد فيه (لغة ورجالا ومضمونا للرواية وغيرها) , هذا في الانسداد الكبير , واما في الانسداد الصغير - المبنى الثاني -فهو لا يرى انسداد باب العلم والعلميّ في كل الطرق المؤدية الى الاحكام الشرعية, بل يرى ان ذلك الانسداد هو في احد الطرق اليها وهو طريق الرواة ,حيث انه لا طريق لتوثيقهم إلا الظنون المطلقة لا النوعية الخاصة1 .
وهذان مسلكان ينبغي عدم الخلط بينهما وذلك لانه من الممكن ان يصير الفقيه الى انفتاح باب العلم في الفروع ,لكنه يرى مع ذلك انسداد باب العلم في الرجال – إذ لا تلازم بين الامرين – وهذه مسألة مهمة في المقام , ونحن قد اشرنا سابقا الى ان هناك طرقا اخرى لتوثيق الخبر ,وان ذلك لا ينحصر في وثاقة المخبر ,
تفريق بعض الاعلام بين الانسدادين :
وبعض الاعلام ذهب الى التفريق بينهما حيث قال : بانه لو قلنا ان باب العلم في الفقه2 منسد فان الظنون المطلقة في اللغة وفي الرجال ستكون حجة .اما لو قلنا ان باب العلم في الفقه منفتح ولكنه في الرجال واللغة منسد, فان الظنون المطلقة فيهما لا تكون كذلك, أي :حجة , وهذا هو الفرق الذي ذهب اليه بعض الفقهاء والاصوليين بين الانسدادين .
وجه التفريق والجواب عنه :
ونحن سنذكر وجه التفريق اولاً ,فلو ان باب العلم في الفقه كان منفتحا فنحن لسنا بمضطرين للرجوع الى علم الرجال ولا يلزم من عدم الرجوع لهذا العلم العسر والحرج نتيجة إعمال الاحتياط اذ لا نكون مضطرين له ؛ إذ يمكننا ان نتعرف ونصل الى الاحكام الشرعية من غير طريق الرجالي ,ولذا فلا وجه لحجية الظنون المطلقة ؛لان وجه الحجية في تلك الظنون اننا لو لم نقل بحجيتها للزم من ذلك العمل الاضطرار للعمل بالاحتياط3 ولازمه العسر والحرج الشديدان وما ذكر من المحاذير هناك .
ولكن الظاهر: ان هذا الوجه وبهذا التفريق ليس بصحيح ,وانما الفرق يظهر في موضع اخر .
توضيحه : انه لو اننا قلنا بالانسداد الكبير المطلق بما فيه الانسداد في الفقه فالامر واضح وبين وبالتالي ستكون الظنون الرجالية المطلقة حجة .
ولكننا سنتوقف عند الشق الثاني الذي ذكره هذا العلم ,وهو اننا لو قلنا بانفتاح باب العلم في الفقه – حيث يقول: فمع انسداد باب العلم في الرجال فانه لا يقال بحجية الظنون المطلقة الرجالية إذ اننا لسنا بحاجة لذلك .
ونحن في جواب ذلك نقول :
انه ليست الحاجة واللا حاجة هي الملاك في الحجية واللا حجية ههنا ,بل الملاك هو بناء العقلاء ,فانه مع ملاحظة بنائهم فهم يرون ان الظنون المطلقة حجة عند الانسداد في علم الرجال , أي: ان الانسداد لو حصل في أي مكان فان ذلك ينتج عندهم حجية الظنون المطلقة ؛وذلك لان القسيم الاخر – وهو الوهم – لو رجح فانه ترجيح للمرجوح ,والتمسك بالمرجوح وترجيحه قبيح عقلا ,وفي المقابل, فان ترجيح الراجح حسن عقلا .
اذا بناء العقلاء في أي باب حصل فيه الانسداد هو حجية الظن المطلق في ذلك ,وفي مقامنا ,وان كان باب العلم في الفقه منفتحاً ولم يكن طريق معرفة رجال اسانيد روايات الاحكام كذلك - بل كانت توجد طرق اخرى – إلا ان بناء العقلاء هو على التمسك بالظن الراجح عندئذٍ (لا النوعي لفرض القول بالانسداد) ,لرجحانه على الطرف المقابل , ولذا فمن هذه الجهة لا فرق .
ولكن الفرق هو من جهة اخرى ,ولعل منشأ الخلط هو ذلك ؛وذلك لأننا لو قلنا بانسداد باب العلم في الفقه ,فان الظنون الرجالية ستكون حجة كما قال ذاك العلم , ولكن لو قلنا بانفتاح باب العلم بالاحكام من طرق اخرى، فان الظنون الرجالية ستكون مرجحة ولا تكون حجة بما هي هي, والفرق هو هذا أي : اما الحجية لتلك الظنون بقول مطلق ,او انها من المرجحات والتي بتعاضدها وتراكمها قد توجد ظنا نوعيا ثانوياً يمكن ان يكون حجة عندئذ،فتامل.
والمتحصل : ان انفتاح باب العلم في الفقه ينفي الحجية التامة للظنون المطلقة الرجالية الإنسدادية ولكنه لا ينفي الترجيح بها4.
و على كلا المبنيين والتقديرين فان المسألة يمكن ان يستفاد منها بالنسبة الى راوينا , أي :الحسين بن احمد المالكي , فلو قلنا بالانسداد في الفقه فان ما ذكرناه من الظنون و الذي سنسوقه من قرائن حجة وبدون نقاش ,وان لم نقل بالانسداد في الفقه ,بل في الرجال فقط ,فان ما سقناه من قرائن سيكون مرجحا , ولكنه يحتاج الى تعاضد وتراكم , اي: انه سيكون حجة بالعنوان الثانوي لا الاولي ,وتحقيق ذلك يترك لمحله و,هذا هو المبنى الثاني .
واما المبنى الثالث في الحجية :هو الحجية من باب كونه – أي الراوي او قسيميه – من اهل الخبرة5, ولكن بحسب هذا المبنى فان الامر في الرجالي والراوي والمفتي مختلف ,فأما في المفتي, فان هذا المبنى صحيح ؛وذلك لأنه من اهل الخبرة , واما في (الرجالي) فانه مختلف فيه من جهة ان الرجوع اليه هل هو من باب كونه من اهل الخبرة او لا ؟ حيث ان البعض يرى ان قوله هو من باب الحس لا الحدس , واهل الخبرة ملاك الرجوع اليهم هو الحدس والحدسيات لا الحس والحسيات ؛ ولذا فهما بابان مختلفان, لكن البعض يرى ان توثيقات الرجالي حدسية؛ اذ ان وثاقة الراوي لا ترى ولا تسمع بل يحدس بها من جملة ظواهر اقواله وافعاله، ومن هنا فهل قول الرجالي يعتمد على الحس او الحدس ؟ والذي نراه ان قول الرجالي حجة من باب الحدس القريب الى الحس.
واما في الراوي – وهو مانحن فيه – فقوله ليس بحجة من باب كونه من اهل الخبرة ,وذلك لانه يعتمد في اخباره على الحس من خلال السماع او الرؤية؛ و لذا فالرجوع اليه هو لكونه من باب خبر الثقة ,
واما الثمار المترتبة على هذا التفريق فهي ليست بالقليلة والتي سياتي الاشارة اليها فيما بعد ان شاء الله تعالى .
واما المبنى الرابع في الحجية :هو ما قد اشرنا اليه ضمنا, أي : كون الرجوع اليه أي الراوي هو من باب خبر الثقة , فلأنه ثقة فان نقله للرواية يعتمد عليه, وهنا لابد لنا من التأمل في هذين المبنيين , أي الثالث والرابع, فلو اننا قلنا بأحد هذين المبنيين, فان عددا من الثمار سوف تتفرع على ذلك, حيث نتساءل في المقام ونقول : هل الحياة شرط او لا ؟والجواب كلا ,وهذه ثمرة اولى ,وكذا الامر في العدالة فهل هي شرط او لا ؟ والجواب: انها ليست بشرط ايضا ,وهذه ثمرة ثانية ,وكذا العدد فهل هو شرط او لا ؟ونجيب مرة اخرى ونقول كلا وهذه ثمرة ثالثة ,واخيرا هل الايمان شرط او لا ؟ والجواب كسابقاته : كلا , وهذه ثمرة رابعة , ولذا فاننا لا نشترط هذه الشرائط الاربعة في الرجالي ولا في الراوي.
والخلاصة :ان هذه الشروط الاربعة لا تجري على المبنى الثالث والرابع, بل تجري فقط - كلها او بعضها6- على المبنى الخامس وهو كون حجية قول الراوي من باب البينة . وللكلام تتمة, وصلى الله على محمد وال محمدالطاهرين...
الهوامش ....................................................................................
1) لا يخفى ان للانسداد الصغير مصاديق عديدة من انسداد باب العلم بالرجال و منها انسداد باب العلم بالفروع الفقهية ومنها غير ذلك
2) هذا مصداق اخر للانسداد الصغير كما لا يخفى.
3) او اللجوء للقرعة مثلاً، لكن لا دليل على اطلاق العمل بها
4) فتأمل فانه مطلب دقيق
5) وهنا دخلنا في عالم الانفتاح حيث كان المبنى الاول والثاني من باب الانسداد واما المباني الستة القادمة فكلها من الباب الاخر أي الانفتاح
6) اذ لا يشترط العدد في مطلق البينة بل في بعض انواعها فقط على ماذهب اليه بعض الاعلام كالسيد الوالد.