374- وجوه عديدة اخرى للجواب عن وجه كراهة التعامل مع الاكراد وللاجابة عن شبهة كونهم من الجن
الثلاثاء 25 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
وجوه كراهة التعامل مع الاكراد
1ـ ليس المراد القومية بل الصفة والحالة
الوجه الاول : ان ( الاكراد) لايراد بهم ( القومية ) بل ( الصفة ) أي كل من كَرد الى الجبال فانقطع فيها وغلظت طباعه واخشوشنت اخلاقه . وقد مضى بيانه
2ـ المراد القومية لكن لا لذاتها بل لصفة مقارنة
الوجه الثاني : ان ( الاكراد ) وان اريد بهم القومية فإنه لا بلحاظها ، بل بلحاظ الصفة ، فهي – أي الصفة – المدار والعلة ... وعليه : فكل كردي لم يتصف بالغلظة والخشونة فإنه لا يكره التعامل معه ، وكل كردي اتصف بالغلظة والخشونة والقسوة يكره التعامل معه.
3ـ القضية خارجية لا حقيقية
الوجه الثالث : ان القضية خارجية وليست حقيقية ، فلا يراد الاكراد بما هم اكراد بل جماعة خاصة منهم في ذلك الزمن كانوا مورد ابتلاء السائل واشباهه.
والحاصل انه لا يراد بـ( الاكراد ) الاستغراق ولا الجنس بل الحصة الخاصة منهم المعهودة ذهناً او خارجاً
ويشهد له نظيره في الروايات وفي العرف:
اما الروايات، فمنها: ما ورد في ذم اهل اصفهان ، مما نقله العلامة المجلسي في البحار ، فانه كان بنحو القضية الخارجية لان اكثرهم حينذاك كانوا مخالفين وكثير منهم كانوا من النواصب ، فليس الذم لهم بما هم اهل اصفهان بل لما تدينوا به ، ثم لما تشيعوا كانوا ممدوحين، ومثاله من كان بخيلاً ثم صار كريماً أو جباناً فتحول شجاعاً أو فاسقاً ثم اصبح عادلاً.
واما في العرف فأنهم يقولون مثلاً : اهل البلدة الكذائية ارهابيون او يحبون ذلك الظاغية المقبور فانه لايراد به كلهم جميعاً بل الكثير منهم ، كما لايراد به على امتداد الازمنة بل في الحقبة الخاصة ، وكذلك قولنا اهالي البلدة الفلانية اغنياء ، اذ يراد الكثير منهم لوضوح وجوه الفقراء فيهم
فقه قوله( عليه السلام )( فإن الاكراد حي من احياء الجن )
اما الجواب عن شبهة ( ان الاكراد بشر قطعاً وليسوا بجن فالرواية مخالفة للعلم وللبداهة فهي ساقطة عن الاعتبار ) فمن وجوه:
اولاً : للجن اطلاقان اعم واخص
الوجه الاول: ان الجن له اطلاقان اخص وهو الجن بالمعنى المعهود أي ما هو قسيم للانس وللملائكة والشياطين ، واعم وهو مطلق المستور والمختفي والذي لايرى، وحيث تعذر المعنى الاول فيحمل على المعنى الثاني بدلالة الاقتضاء وهي ما يتوقف صحة او صدق الكلام عليه اذ يتوقف صدق ( الاكراد حي من احياء الجن ) على تفسير الجن بالاطلاق الاعم أي الاكراد حي من الاحياء المستورة المختفية لانقطاعهم الى الجبال عادة في تلك الازمنة وفي كثير من الازمنة الاخرى ، فكما ان دلالة الاقتضاء وتوقف صدق ( لاضرر ولا ضرار في الاسلام ) على تقدير لا تشريع للضرر في الاسلام أو لا مؤاخذة على الضرر في الاسلام واشباه ذلك على الاقوال ، حملتنا على التقدير وصرف اللفظ عن ظاهره البداهة أن الضرر التكويني الخارجي[1] موجود في الاسلام ، كذلك المقام بل هو أولى اذ الاطلاق العام ليس مجازا ولاتقدير فيه.
من كلمات اللغوين الظاهرة في المعنى الاعم
بل تقول أن الاصل في (الجن) هو المستتر وقد أطلق على الجن بالمعنى الاخص لأنه أحد مصاديقه .. ويشهد لذلك تصفّح بعض ما جاء في بعض كتب اللغة :
فقد جاء في ( لسان العرب ) :
- ((جنن : جَنَّ الشيءَ يَجُنُّه جَنّاً : سَتَره . وكلُّ شيء سُتر عنك فقد جُنَّ عنك[2] وجَنَّه الليلُ يَجُنُّه جَنّاً وجُنوناً وجَنَّ عليه يَجُنُّ بالضم ، جُنوناً وأَجَنَّه : سَتَره))
- ((وفي الحديث: جَنَّ عليه الليلُ أَي ستَره، وبه سمي الجِنُّ لاسْتِتارِهم واخْتِفائهم عن الأبصار[3]، ومنه سمي الجَنينُ لاسْتِتارِه في بطنِ أُمِّه. وجِنُّ الليل وجُنونُه وجَنانُه : شدَّةُ ظُلْمتِه وادْلِهْمامُه ، وقيل: اختلاطُ ظلامِه لأَن ذلك كلَّه ساترٌ ))
- ((قوله عز وجل: (فلما جَنَّ عليه الليلُ رأَى كَوْكباً)يقال جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليلُ إذا أَظلم حتى يَسْتُرَه بظُلْمته ويقال لكل ما سَتر جنَّ وأَجنَّ ويقال جنَّه الليلُ والاختيارُ جَنَّ عليه الليلُ وأَجَنَّه الليل قال ذلك أَبو اسحق واسْتَجَنَّ فلانٌ إذا استَتَر بشيء وجَنَّ المَيّتَ جَنّاً وأَجَنَّه ستَره ))
- ((والجَنينُ الولدُ ما دام في بطن أُمّه لاسْتِتاره فيه وجمعُه أَجِنَّةٌ وأَجْنُنٌ بإظهار التضعيف وقد جَنَّ الجنينُ في الرحم يَجِنُّ جَنّاً وأَجَنَّتْه الحاملُ)) - ((والمِجَنُّ الوِشاحُ والمِجَنُّ التُّرْسُ))[4]
- ((وجِنُّ الناس وجَنانُهم مُعْظمُهم لأَن الداخلَ فيهم يَسْتَتِر بهم))- ((وجَنانُ الناس دَهْماؤُهم))[5]
- ((الجِنُّ نوعٌ من العالَم سمُّوا بذلك لاجْتِنانِهم عن الأَبصار ولأَنهم اسْتَجَنُّوا من الناس فلا يُرَوْن والجمع جِنانٌ))[6]
- ((الجِنَّةُ الجُنونُ أَيضاً . وفي التنزيل العزيز:( أَمْ به جِنَّةٌ)والاسمُ والمصدرُ على صورة واحدة ويقال به جِنَّةٌ وجنونٌ ومَجَنَّة))
- ((والجَنَّةُ البُسْتانُ ومنه الجَنّات)) – ((والجَنَّةُ الحَديقةُ ذات الشجر والنخل وجمعها جِنان))
- ((والجَنَّةُ هي دارُ النعيم في الدار الآخرة من الاجْتنان وهو السَّتْر لتَكاثُفِ أَشْجارِها وتظليلها بالتِفافِ أَغصانِها)) – انتهى.
- وقال في (معجم مقاييس اللغة) : ((الجيم والنون اصل واحد وهو الستر والتستر... والجنة البستان لان الشجر بورقه يستر والجن سموا بذلك لأنهم متسترون عن أعين الخلق، والجنة الجنون لانه يغطي العقل، والجنين : الولد في بطن أمه)) - انتهى
- وقال الراغب في ( مفرداته ): ((أصل الجن :ستر الشئ عن الحاسة ثم ذكر قوله تعالى (فلما جَنَّ عليه الليلُ رأَى كَوْكباً)والصوم جُنة )) - انتهى
ويؤكده قوله تعالى~: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ)لوضوح أن ابليس والشياطين جنس آخر غير الجن بالمعنى المعهود المصطلح ،فيراد به كائن من غير الملائكة من المستورين، وقد فسر بعضهم قوله تعالى (كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) بــــــ: كان من الذين يستترون عن الابصار[7]
ثانياً: الجن كناية عن الضُلّال
الوجه الثاني : أن (الجن) كناية عن الضُّلّال أو الكفار ،ولا يراد به معناه الحقيقي وان قلنا أنه ظاهر فيه – اي في المعنى الاخص.وذلك كما تقول عن جماعة بأنهم وحوش اذ لايقصد ان لهم انيابا ومخالب بل ان لهم صفات الوحوش
ويؤيده ان بعضهم[8] فسر قوله تعالى (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) بـ:(صار من الجن فكان بمعنى ومعنى صيرورته من الجن صيرورته ضالا كما ان الجن ضالون لان الكفار بعضهم من بعض)[9]
ويؤكده في حديث طويل (وإن كان من الجنّ من أهل الخلاف والكفر أوثَقْتَه وعذّبته حتّى يصير إلى ما حكمنا به )[10] فأن الظاهر ان (اهل الخلاف والكفر ) هو تفسير لـ(الجن ) وكذا (من اهل الخلاف والكفر ) فقد اطلق الجن على الكافر و المخالف لانه يستر الحق
وحينئذ فمعنى (الاكراد حي من احياء الجن )انهم – في ذلك الزمن –كانو مخالفين او نواصب او كفارا , فنهى ( عليه السلام )عن التعامل معهم[11] كي لا يسبب التعامل فتنه ونزاعات ومشاكل لانه من طبيعة التعاملات التجارية ان تحدث فيها الخلافات فإذا كان الطرف الاخر كافرا او مخالفاً وكان خشناً بطبعه فانه يحول النزاع التجاري الى نزاع طائفي فتتفاقم الامور وقد تنتهي الى ما لا تحمد عقباه .
ثالثاً : المراد المعنى الرمزي للجن
الوجه الثالث: ان (الجن ) يرادبه (المرتبط بالسلطة الجائره ) و(المدسوس) و(العملاء) في لغة رمزية اي انه موضوع بالوضع التعيّني لهذا المعنى
وهذا المعنى ممكن في حد ذاته ومستساغ وله نظائر، كما يعبر عن الاستخبارات بـ(زوار الليل ) ويرمز به اليهم لانهم يداهمون البيوت بالليل غالباً فرمز لهم بهذا الزمن خشية التصريح باسم الاستخبارات فيسمعهم احدهم فيُؤخذوا وكما ورد ( اعطاه من جواب النوره ) ... الى غير ذلك
نعم لا دليل على هذا الوجه – وانه رمز الى هذا – بالخصوص وان كان يساعده الاعتبار، ولكن يكفي احتماله لدفع تعيّن طرح الرواية بل غاية الامر ان يُردَّ علمُها الى اهلها، وللحديث صلة بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - كضرب زيد عمرواً و غصب بكر دار احمد .. وهكذا
[2] - فهذه هي القاعدة العامة اذاً وهي الاصل
[3] - فـ( الجن ) المصطلح هو النوع والمصداق والجامع هو الموضوع له اللفظ اوّلاً ، ولا غلبة بحيث توجب النقل
[4] - اذ يستتر الرجل بالترس من السهام والسيوف ، وتستتر المرأة بالوشاح
[5] - فعلى هذا فإن ( حي من احياء الجن ) يعني حي من احياء دهماء الناس ، لان اولئك الاكراد كانوا كذلك
[6] - فهذا يؤكد ان الاطلاق الاخص للجن متفرع على الاطلاق الاعم
[7] - نقله الشيخ الطوسي في التبيان
[8] - كما جاء في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج6 ص435 – النسخة الليزرية -
[9] - وليس المقصود تبني هذا التفسير ، بل بيان ان تفسير الجن بالضلال والكفار ليس مستغرباً بل انه مما ذهب اليه البعض حتى في الآية الشريفة
[10] - كتاب ( كامل الزيارات ) ص 343
[11] - اي عن التعامل مع المعهود منهم ذهنا او خارجا , اي الذين كان السائل واشباهه يتعاملون معهم . كما سبق
الثلاثاء 25 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |